لاحديث في أي ملتقي أو محفل سوي حديث القلق علي مصر وانحدارها السريع سياسيا واقتصاديا وأمنيا وأخلاقيا,وهو للحق ليس حديثا مقصورا علي شرائح بعينها أو تيارات بذاتها فهذا الحديث يكاد يتفق عليه معظم
لاحديث في أي ملتقي أو محفل سوي حديث القلق علي مصر وانحدارها السريع سياسيا واقتصاديا وأمنيا وأخلاقيا,وهو للحق ليس حديثا مقصورا علي شرائح بعينها أو تيارات بذاتها فهذا الحديث يكاد يتفق عليه معظم المصريين,من منهم ينتمون إلي فئات المعارضة أو من يناصرون الحكم وجماعته وعشيرته أو حتي من ينأون بأنفسهم عن هذا أو ذاك ويجلسون يرقبون مايحدث بمصر لاحول لهم ولا قوة.
الفرق بين شرائح المصريين القلقين علي الوطن ليس في اختلافهم علي حقيقة الخطر المحدق به ولكن في الأسباب والعوامل التي يسوقونها ويرون أنها تعمل علي الإضرار بالوطن.فأنصار الحكم وجماعته وعشيرته حتي وإن اعترفوا بأخطاء وقعوا فيها يتهمون تيارات المعارضة بالتربص بالحكم والسعي لإفشاله وتحميله المسئولية الكاملة عن الانهيار الاقتصادي والأمني,كما يتهمون وسائل الإعلام بالتآمر علي الحكم وتشويه صورته وتزييف وتجسيم الحقائق التي تهاجمه من خلالها,وأيضا يتهمون عناصر غير معروفة-داخلية أو خارجية-بالتآمر علي مصر وتمويل شتي أشكال العنف والبلطجة والإرهاب للإبقاء علي صورة الدولة المهتزة المرتبكة أمنيا وغير المستقرة سياسيا أو اقتصاديا…وأخيرا يقول أولئك المناصرون للحكم:لانريد الاستئثار بالسلطة ودعونا باقي أطراف الخريطة السياسية للحوار الوطني لإيجاد مخرج للأزمة الطاحنة التي تمر بها البلاد فتقاعسوا وأخذوا يضعون الشروط المسبقة ويطلبون الضمانات قبل الجلوس إلي المائدة وبدء الحوار.
في المقابل يصرخ شباب الثورة وتيار المعارضة من مسلك الحكم ممثلا في رئيس الجمهورية الذي قبله الجميع بعد أن أتي به صندوق الانتخاب,لكنه لم يف بتعهداته بأنه يكون رئيسا لكل المصريين ولم يتورع عن الانحياز لجماعته وعشيرته, ولم تكد تستتب له الأمور حتي انقض علي الشرعية الدستورية,وأطاح بالسلطة القضائية وفتح الأبواب علي مصراعيها لانقضاض جماعته علي السلطة واستحواذها علي مقاليد الحكم والقيادة في سائر مؤسسات الدولة وترك لها العنان لاختطاف وتمرير دستور مشوه يتربص بالمصريين في ظل سيادة ممارسات استفزازية كريهة ترغب الأنصار وترهب المعارضين وتغض البصر عن العبث بآليات الاستفتاء ونتائجه…كل ذلك لم يكفرئيس كل المصريين بل استمر في عناده وتحديه للجماعة الوطنية غير مكترث بالانقسام غير المسبوق الذي أصاب الأمة وأوصلها إلي حافة الحرب الأهلية حتي أنه سكت علي القسوة المتناهية والبطش اللذين أبداهما جهازه الأمني تجاه المتظاهرين في احتفالهم بمرور عامين علي ثورة يناير, الأمر الذي أعاد للذاكرة الوطنية صورة النظام السابق لمبارك وجهازه الأمني الذي نكل بالمصريين.
الآن الهوة آخذة في الاتساع بين الطرفين تفصلهما مساحة كبيرة من الشك والتوجس والمرارة, ويبقي طرف متشبث بالحكم متذرع بشرعية الصندوق بينما الطرف الآخر عاقد العزم علي المضي في الثورة والعصيان مصر علي إفشال الحكم وإسقاطه ورحيله…والضحية وسط هذا المشهد هي مصر التي لا يلتفت أحد إلي القدر الرهيب المخيف لانهيارها السياسي والاقتصادي والأمني حتي بات البعض يحذرون من اقترابها جدا من التأهل للحصول علي لقب الدولة الفاشلة.
إزاء ذلك الواقع المتردي والمصير البائس بدأت تصدر أصوات من هنا وهناك مطالبة بإنقاذ هذا الوطن وتغليب الحكمة نحو رأب الصدع في الصف الوطني…أصوات صادرة عن مؤسسة الرئاسة نفسها, وأصوات صادرة عن بعض تيارات المعارضة,وطبعا كانت ردود الأفعال المتوقعة في الشارع وبين صفوف الثوار رافضة لتلك الأصوات مستنكرة التلاقي مع حكم غامر بحياده بين المصريين غير مصدقة لأية نوايا طيبة أو التزامات يقدمها هذا الحكم علي مائدة الحوار الوطني.
وأقول بكل صدق-ودون إغفال مشاعر الغضب والقهر التي تتسلط علي عقول وقلوب الكثيرين-إني استشعر خطورة الموقف,كما أتصور أن رئيس الجمهورية وجماعته وعشيرته ومؤسسة الحكم يستشعرون ذات الخطورة,وأن الموقف لم يعد يحتمل المزيد من المكابرة والعناد,وأن رصيد التأييد للسياسات المتبعة آخذ في التآكل داخليا وخارجيا,وبالتالي أصبح من المحتم عمل شئ لإعادة لم الشمل بغية توحيد الصف الوطني وحصار المشاكل التي خرجت عن حدود السيطرة واستعصت علي الحلول الصادرة عن حكومة لاتمتلك الرؤية تستقبلها معارضة متربصة تتمني إفشال الدولة…إذا لابد من تجنيب الشكوك والهواجس,ولابد من ترك الباب مواربا لصدق الدعوة للحوار هذه المرة,ولابد من المشاركة حتي وإن انطوت علي مغامرة فهي مشاركة لإنقاذ الوطن ومغامرة منعدمة التكلفة تستحق الفرصة…وكما يردد الكثيرون في معرض قبول الدعوة لمائدة الحوار أن في السياسةمالا يدرك كله لايترك كله وأن هناك روشتة معلنة مقبولة لبدء العلاج موضوعة فعلا علي مائدة الحوار وأن ما يتم إنجازه منها قادر علي إحلال مزاج جديد من الاسترخاء محل مزاج المواجهة السائد بين أطراف اللعبة السياسية,من شأنه أن يمهد الطريق للاستمرار ويخلق مناخا جديدا للمضي قدما نحو آفاق أرحب.
هل تتحلي التيارات الوطنية بالبصيرة والحكمة في هذه اللحظة المصيرية نحو رأ الصدع في الصف الوطني؟…إن مصر تتطلع إلينا جميعا.