في 18 ءكتوبر 2008 كرمت منظمة ##كوبتك اورفنز## في حفلها السنوي بنيويورك المهندس نجييب ساويرس والسيدة علا غبور, في ذلك الوقت لم أكن أعرف من هي علا غبور فسألت السيدة نرمين رياض من مؤسسة ##كوبتك اورفنز## عنها فشرحت لي عن دورها الخيري المتميز في مصر. في أثناء الحفل تم عرض فيلم قصير عن دورها خصوصا في مستشفي57357, وإذا بنا أمام نموذج إنساني فريد وبديع لشخصية جميلة شكلا وروحا وقلبا وعقلا, ورغم أنها من الشخصيات التي تعمل باتضاع وإنكار للذات وتهرب من الأضواء إلا أنني حاولت متابعة نشاط هذه السيدة العظيمة. إن علا لطفي زكي الشهيرة بعلا غبور تنتمي إلي نوع من البشر نادر الوجود في العالم كله وفي منطقة الشرق الأوسط علي وجه الخصوص, وهي بصدق ## أيقونة إنسانية##, و## أيقونة مصرية##, وجوهرة غالية الثمن من معدن نفيس ونادر. إن أمثال علا غبور وماجي جبران ومجدي يعقوب يجعلون للدنيا معني, وللحياة قيمة, إنهم هدية من السماء لمجتمعنا الأرضي, إنهم منحة إلهية لنا لتخفيف آلامنا وفقرنا وبؤسنا وأحزاننا.
لم تسلك علا خطي الكثير من سيدات المجتمع الأثرياء في التسوق من بيوت الأزياء في باريس ونيويورك وقتل الوقت بالنميمة في نوادي الطبقات الثرية, والتسلي بسهرات المجتمع المخملي, بل اختارت الطريق الصعب, طريق الآلالم علي خطي السيد المسيح الذي كان يجول يصنع خيرا بلا شروط وبلا قيود وبلا حدود وبلا مقابل, قيمة علا ليس فيما قدمته من مال للعمل الخيري رغم أهمية ذلك,فكما يقول سليمان الحكيم ## إن أعطي الإنسان كل ثروة بيته بدون المحبة تحتقر احتقارا##, ولكن قيمة علا تنبع من ما قدمته من عطاء مفعم بحب للناس لاسيما المتألمين حتي أن والدة أحد الأطفال المرضي وصفتها بأنها ذات عاطفة جياشة وحنان لا نهائي,كانت تدوس علي كرامتها وعزة نفسها مطاردة لرجال الأعمال لجمع أكبر قدر من المال, لدعم المرضي ومنكسري القلوب, يا الهي أي قلب هذا الذي يوزع محبته علي مئات الناس المتألمين..! فيؤثر فيهم جميعا دون أن يتذمر أو يضجر أو يتأفف أو يشكو. إن هذه القلوب النادرة, قد لمستها يد الخالق العظيم المحب للبشر, فاتسعت محبتها كثيرا عن الشخص العادي.. تعالوا لنري ما قاله شخص عظيم آخر هو الدكتور مجدي يعقوب في نعي الراحلة علا غبور ## في خلال رحلتنا القصيرة في هذه الحياة نري أشياء كثيرة, ومع هذا فقد حظينا بمعرفة شخصيات متميزة, وكان لنا شرف مقابلة شخصيات اثرت في حياتنا كثيرا جدا, وفي مجتمعاتنا, إنه من التميز والسعادة أن تحظي بالتعامل مع هذه الشخصيات, وكانت علا غبور واحدة من هذه الشخصيات, وقد حالفني الحظ بل وجميعنا بأنها تعاونت معنا بكل ما تملك, تساعد وتقود وتتفاعل معنا. شكرا علا علي إثراء حياتنا وعلي ما قدمتيه لنا في هذه الحياة, إننا مدينون لك بالفضل وممتنون لكل ما قمت به…. وأبدا لن ننساك##. فعندما يقول شخص بقيمة مجدي يعقوب أن علا أثرت حياته كثيرا فنحن أمام شخصية عظيمة بحق سواء كانت شخصية الناعي أو المنعي.
وعلي مدي عقدين كرست علا غبور حياتها لمساعدة المرضي في مصر فأسست جمعية أصدقاء أطفال السرطان بالسيدة زينب منذ منتصف التسعينيات, وساعدت معهد الأورام كثيرا بالتطوع والتبرع وجمع التبرعات وخصصت جهودا لمساعدة مرضي سرطان الثدي, ثم تفتق ذهنها وعقلها الطموح عن بناء مستشفي خاص لعلاج سرطان الاطفال مجانا, ومن هنا بدأت اولي خطوات إنشاء الصرح العالمي 57357, وقد تبنت الفكرة من بدايتها ودفعت أول مليون جنيه لعمل دراسة جدوي لهذه المستشفي لمكتب دراسات أمريكي, واستمرت رحلتها المكثفة في جمع التبرعات من رجال الأعمال حتي تم بناء واستكمال هذا الصرح العالمي الشامخ, واستطاعت بفكرها وعقلها الديناميكي أن تجذب كبار الشخصيات في المجتمع المصري لزيارة المستشفي وعمل دعاية مجانية له, وبعد تشغيل المستشفي كانت عضوة وأمينة عامة للمؤسسة, وأصرت علي أن يكون العلاج مجانا تماما والقادر.. عليه التبرع, حتي لا يؤثر المال علي الخدمة الصحية وعلي نفسية المرضي, بل وصل قلبها المحب للخير والغيور علي المرضي بأن تساهم في إقناع الدكتور مجدي يعقوب بفتح مستشفي لعلاج الاطفال مجانا في اسوان وساعدته كثيرا حتي صار المستشفي واقعا يشرف عليه واحد من أساطين جراحة القلب في العالم.
ونتيجة لهذا العمل الخيري الطويل بل وتأسيس نمط جديد ومدرسة جديدة في العمل التطوعي تم تكريم الراحلة علا غبور في أماكن عدة, ففي عام 2008, تلقت السيدة علا غبور من منظمة الصحة العالمية جائزة مؤسسة الإمارات العربية المتحدة للصحة في جنيف ممثلة عن مؤسسة سرطان الأطفال, وفي السنة نفسها حصلت علي جائزة تكريم كرائدة من رواد العمل الخيري من مؤسسة الأيتام القبطية في مدينة نيويورك, في مايو 2012, قامت الغرفة الأمريكية للتجارة بعقد ندوة في تونس وتكريمها لعملها في الأعمال الخيرية ودورها في إنشاء مستشفي سرطان الأطفال, وتم تكريمها بجائزة ?أفضل امرأة في القطاع غير الربحي? علي مستوي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, وتم منحها جائزة باسم ## سيدة الرحمة## من المركز الثقافي القبطي بعد رحيلها.والحقيقة أن هذا تكريم صغير مقارنة بما قامت به من أعمال جليلة, والتكريم الحقيقي يكون بالاقتداء بسيرة الراحلة الفاضلة في العمل والعطاء والبذل , وأيضا بإطلاق اسمها علي مستشفي 57357, وحتي لا يضيع الاسم المتعارف عليه والذي يسهل موضوع التبرع نقترح أن يكون اسم المستشفي ( مستشفي علا غبور 57357), وهذا نمط متعارف عليه في العالم كله, فالمستشفي رقم 1 في أمريكا يطلق عليه اسم مؤسسه, وهو مستشفي جونز هوبكنز في ميرلاند ,والعديد من المستشفيات الكبري في أمريكا تسمت بأسماء مؤسسيها وذلك تكريما وتشجيعا للعمل الخيري.
لقد رحلت علا سريعا, وهي في قمة تألقها وعطائها بعد حياة قصيرة, ولكنها ثرية وغزيرة ومفعمة بالخير والعطاء والمحبة ,وكأن السماء استعجلت مكافأتها, ولكنها تركت نموذجا يجب تدريسه لأبنائنا في المدارس عن العمل التطوعي الحقيقي , وتركت ثمرة جهودها تتحدث عنها, وتركت سيرة عطرة ستبقي معنا طويلا, فذكري الصديق تبقي إلي الابد.
وداعا سيدة الرحمة… وداعا للروح الملهم الجميل… وداعا علا غبور إلي سماء الخلود والراحة
شكرا لله علي اطلالتك في الحياة………..شكرا لوجودك معنا وإثراء حياتنا