من سخرية الاقدار أن الحياه أحياناً تلهو بنا كما حدثتنا طيبة الذكر المغفور لها بإذن الله ثومه فنجد أدوات الدوله المصريه العتيقه الان تلعب ضد فكرة الدوله ذاتها.
الدوله المصريه هى الدوله الأم فى دول العالم اخترعت وأبدعت على ضفاف النيل منذ الأزل الفكره والنموذج الاصلى واقامت قواعد الحكم المركزى آيه للعالمين وبقى محفوراً فوق نفوس الشعب المصرى كالنقوش الفرعونيه وأكاد أجزم انه صار جيناً وراثياً فى النسيج الحى للمصريين وربما يشتط البعض ويزعم أن دين المصريين الحقيقى هو الدوله وربما تبلغ فريته مداها ويزعم انها العقيده الشعبيه الثابته المستقره فى اعماق المصريين عبر مراحل التاريخ .تتعاقب الانظمه والغزاه والمحتلين وتبقى الدوله كمعده كبيره عاصره تمتص احداث التاريخ ببطء وتذوب الجميع فى عصاراتها الفرعونيه الهاضمه فتتمصر الاشياء والاحداث والاشخاص ويصير الكل فى واحد فى نهاية المطاف . مصر هى اول من ربط الدوله بالدين وهى فكره اصبحت فيما تلاها مستقره طوال التاريخ حتى الان لم تستطع العلمانيه انتزاع التوأم الملتصق فعاشا جنباً .ولكن مصر هى التى اخترعت صورة الحضاره من امتزاج هذين العنصرين فى جسد واحد فكرة القواعد المجرده او فكرة الوحده والقانون واللوائح والتنظيم العام .ربما لامسنا فكرة الدوله الحديثه فى عهد محمد على استفاده بالغرب وفرنسا على وجه التحديد ولكن الاصدار الاحدث للدوله المصريه لم يتعارض مع التراث التليد لصانعة الحضاره بل جاء رافداً إصلاحياً للدوله التى استمرت طوال الوقت فى العمل ولكن هل آتى على مصر حين من الدهر تصبح مصر فيه ملكاً لجماعه ميليشياويه منظمه تتفرع خارج الاطار القطرى لوحدة مصر التاريخيه المعلومه .مافيويه عالميه حقيقيه تمتد فى شتى اقاليم العالم بثروات وتنظيم وحركات سياسيه لها حسابات .ربما كانت فكرة القوميه العربيه فى العهد الناصرى مجرد دعوى سياسيه تقود حركات التحرر الوطنى من الاستعمار والتحرر من التبعيه الاقتصاديه الفكره كان لها مايبررها وكان لها وجاهه ولكنها كما افادت مصر فقد كلفت مصر غالياً والان ليس لدينا على رأس الحكم مجرد فكره تخرج عن حدود الفكره المصريه العتيقه بل الفكره لها ميليشيات تمارس العنف من اجل الفكره وهو ليس عنف الدوله التى تقوم فكرتها الاساسيه على احتكار العنف بل عنف الافراد المنتظمين فى تشكيلات عنف تأخذ طابع القداسات الدينيه ايضاً ..سيكون مكلفاً للغايه أن تتعرض مصر طوال عهدين متتاليين الى تكلفة فكرتين من خارج ذاتيتها الوطنيه الموحده فكرة القوميه العربيه وفكرة الامميه الدينيه .ستنتهى الفكره التى تحدث التشظى بجسد الوطن الام كما انتهت سابقتها ذلك الانهاك والضعف والنكسات .لاأعنى بالطبع المعارضه النظريه لفكرة القوميه العربيه أو الامميه الاسلاميه بل المعارضه العمليه لها من حيث الواقع والظروف والنتائج .لماذا تحمل مصر على كاهلها المتعب فكره خارج عن ذاتها وتتحمل كلفتها الباهظه وهزائمها المنطقيه المروعه .ربما يكون اجدى لو حملت مصر فكرتها الخاصه ونهضت عبرها لعصر كامل ومصر كيان متكامل يحتاجه الاخرون ولايحتاج لأحد ..ربما هذا هو سبيلنا الوحيد للخروج من رقبة الزجاجه التى مكثنا فيها دهورابدلاً من تلك الدعاوى العريضه التى تفرغ دائماً من التركز المصرى القوى الفعال الى خارج لايحتملنا ولايريدنا بل يحاربنا .تحتاج مصر أكثر ماتحتاج الى العوده الى الذات .