عقب ثورة يناير نشرت سلسلة من المقالات تحت عنوان لماذا فشلنا؟ انتقدت فيها تجربة النظام السابق كما رأيتها من الداخل والخارج أيضا. الآن مضي عامان أو قرب ذلك علي سقوط هذه التجربة.
ولم يعد مقنعا كثيرا أن نرد لها وحدها علي الأقل كثيرا من المعاناة التي نعيشها الآن, فربما كان هناك قصور أو أخطاء جرت وتجري وتحتاج إلي علاج أو حسب التعبير الذائع تصحيح المسار. فسياسيا علي سبيل المثال عانينا الكثير من التخبط الدستوري ما بين تعديلات دستورية علي دستور1971, إلي إعلانات دستورية مكملة ومكبلة ومشكوك في نواياها, حتي تم إقرار دستور علي النحو الذي بيناه بالأمس, وكان من أهم السمات المصاحبة له أن رئيس الجمهورية تعهد باستعداده لعمل تعديلات دستورية فورية بمجرد انعقاد مجلس الشعب القادم.
واقتصاديا علي سبيل المثال أيضا كانت هناك حزمة كبيرة من القصور, فقد ترك لنا النظام السابق احتياطيا وطنيا قدره45 مليار دولار, لم نضف لهم دولارا واحدا وهو طبيعي في زمن الثورة المستمرة, ولكن هل كان إنفاق30 مليار دولار خلال أقل من عامين علي الفئويات المختلفة بدلا من استثمارها هو أفضل أنواع الحكمة الاقتصادية. لقد كان آفة النظام السابق هو ما ذاع عنه من فساد, فهل كان إنفاق ثلثي الاحتياطي القومي تعبيرا عن الرشادة الاقتصادية المتوقعة من ثورة عظمي. أذكر أن أستاذي د. أحمد الغندور قال لي إن الفساد ليس استخدام المنصب العام للحصول علي منافع شخصية فقط, ولكنه أيضا سوء استخدام الثروة بحيث تضيع منها فرص متاحة. وكان يقول ساخرا ليدلل علي رأيه مشيرا إلي أحد وزراء الاقتصاد أن ذلك الرجل يضيع علي مصر كل صباح أكثر من عشرة ملايين دولار. لا أظن أن الأحوال قد تغيرت كثيرا, ولا يستطيع أي اقتصادي حكيم أن يعمل وسط مليونيات لاتنفض إضافة إلي ذلك, ولكن السؤال يظل ماثلا حول تلك المعونات والمساعدات الكثيرة التي وعدنا مكافأة علي الثورة والديمقراطية وحل مشاكل غزة, ولكنها في النهاية لم تأت, فهل كان الأمر كله لعبة منذ البداية, أم أننا عجزنا, أو عجز القائمون علي أمورنا, عن الوفاء بوعود الإصلاح الضرورية لتلقي هذه الأموال والاستثمارات؟.
المسألة هي أننا ينبغي ألا ننسي ما فات, ففيه عبر كثيرة, ولكن الحاضر أيضا ضروري, وهل لا بد أن نعلق كل أمورنا علي انتخابات مجلس الشعب القادمة, وهل تتحمل مصر بضعة شهور إضافية من المعاناة؟.