اخترع أنصار ما يسمى “بالإسلام السياسى” تعريف خاص بالدولة الدينية، وقالوا إن الدولة الدينية غير موجودة فى التاريخ الاسلامى لان رجال الدين لم يكونوا هم الحكام الفعليين
اخترع أنصار ما يسمى “بالإسلام السياسى” تعريف خاص بالدولة الدينية، وقالوا إن الدولة الدينية غير موجودة فى التاريخ الاسلامى لان رجال الدين لم يكونوا هم الحكام الفعليين، وفيه ايضا أن الحكم الثيوقراطى حدث فقط فى حالة الكنيسة والدولة فى العصور الوسطى, وهذه مغالطة رددوها كثيرون لكى لا يرى المواطنون انهم بالفعل يعيشون فى دولة دينية بكل تفاصيلها.
فمن سمات الدولة الدينية أن تكون المرجعية للدين وليس للعلم أو للقانون, لذلك تجد ان جميع الحوارات والمتاقشات اليوم فى اى موضوع كان سياسيا او اقتصاديا او اجتماعيا, تجد الحوارات الفقهية الدينية تفرض نفسها فرضا والاستشهاد بالأحاديث والآيات يصير فيها منهجا! وهذا ليس من باب التدين او زيادة فى الايمان وانما هى سمة طبيعية فى الدول الدينية وهى أيضا سبب فشل الدول الدينية عبر التاريخ وحتى يومنا هذا لان الحوارات الفقهية الدينية لا يمكن ان تنتهى الى شىء محدد يتفق عليه الجميع ولكنها كلها اجتهادات تصلح لعلوم الدين وبالتأكيد لا تصلح للسياسة والاقتصاد بعد ان استقر العالم كله على جعل العلم والقانون هو المنهج والمرجعية.
ومن سمات الدولة الدينية المزايدة على الدين فى طريق لا نهاية له ولا ينتهى حتى إلى طالبان وبوكو حرام والشباب الصومالى فهناك دائما فرق للتكفير والعنف تتوالد فى متوالية عددية الى ما شاء الله فمن السذاجة الظن ان اعتلاء الاخوان للسلطة وهم أصحاب الشعارات الإسلامية مثل “الاسلام هو الحل” سوف يحقق الاكتفاء للمزايدين على الدين، بالعكس فقد بدأت فورا بعض الفرق السلفية فى تكفيرهم لانهم لم يحققوا الأحكام الدينية كما ينبغى ان تكون وأيضا لو اعتلى السلفيون السلطة فستظهر فرق التكفير والهجرة وهكذا الى مالانهاية، ويكون هذا هو حديث واهتمام وانشغال الامة المنغلق والضيق بدلا من التطلع الى العلم والعمل مثل سائر دول العالم شرقا وغربا.
ومن سمات الدول الدينية أيضا البطش والقهر بأسم الدين تحت ستار القانون وهذا ما بدأ ما يسمى “بالاسلام السياسى” فى ممارسته بالفعل وظهر فى اغلاق بعض القنوات الفضائية وفى تكفير الخصوم السياسيين وحتى فى بعض الأحكام القضائية.
وللخروج من هذا المأزق وهذه الدوامة المميتة لابد من مراجعة بدايات الانهيار والاستهتار بالقانون والالتفاف عليه وهى اللحظة التى وافق فيها المجلس العسكرى على قيام أحزاب دينية تحت دعوى “عدم اقصاء اى فصيل عن العمل السياسى” وتم الالتفاف على القانون عن طريق تحريف البرامج السياسية لكى يكون مصطلح “المرجعية الدينية” هو المعبر الذى يسمح لكل التجاوزات باسم الدين فى ان تحتل موقعا على الساحة السياسية. وكنتيجة طبيعية لهذه التجاوزات لم يستطع القائمون على القانون من منع استخدام دور العبادة فى السياسة وفى الدعاية الانتخابية ولا استطاعوا ايضا منع الشعارات الدينية وسلاح التكفير فى الاستفتاء والانتخابات.
وأصبح من الضرورى الآن مراجعة الاحزاب الدينية القائمة وايجاد صيغة سياسية حضارية امينة وشفافة لمن يرغب فى ممارسة العمل السياسى دون اقحام الدين والمتاجرة به فلم يعد من المقبول القبول برؤية فريق واحد يخلط الدين بالسياسة ويسبب كل هذا الاضطراب للمجتمع.
كما تحتم هذه التجربة ان يشمل الدستور الجديد نص صريح واضح ومفصل يمنع خلط الدين بالسياسة تحت اى دعاوى دينية مهما كانت.
إ س