من بين أكثر الكتب أهمية- في رأيي- التي صدرت خلال الفترة القريبة الماضية يأتي كتاب الصديق الحبيب والزميل العزيز روبير الفارس، وعنوانه (مباني من بخور: كنائس وأديرة مصرية)، والذي صدر مؤخراً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في إطار سلسلة (إصدارات خاصة)
من بين أكثر الكتب أهمية- في رأيي- التي صدرت خلال الفترة القريبة الماضية يأتي كتاب الصديق الحبيب والزميل العزيز روبير الفارس، وعنوانه (مباني من بخور: كنائس وأديرة مصرية)، والذي صدر مؤخراً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في إطار سلسلة (إصدارات خاصة).
إننا نتعرف من خلال صفحات الكتاب، حوالي مائتي صفحة من الحجم الصغير، على معنى الكنيسة وأشكال مبناها ما بين شكل الصليب والسفينة والدائرة، والشكل المستطيلي. كما نتعرف على مكونات الكنيسة ومحتوياتها حيث الهيكل وبه المذبح، وصحن الكنيسة، وملحقات المبنى الكنسي. ونتعرف على كثير من الأدوات المستخدمة داخل الكنيسة ومنها الأدوات التي تُستخدم داخل المذبح، والأدوات الموسيقية ومنها الصنوج أو الدفوف والتريانتو أو المثلث. كما يحوي الكتاب أيضاً وصفاً تفصيلياً وعرضاً دقيقاً لعدد من الكنائس والأديرة المصرية، إذ يطوف الكاتب بنا بعضاً منها في سياحة ثقافية تتسم بالرشاقة والجاذبية.
فهو يعرض لبعض الكنائس والأديرة منها: الكنيسة المعلقة، والعذراء الدمشيرية، وكنائس حارة زويلة، وكنيسة العذراء بالزيتون، ودير الأنبا أنطونيوس، وأديرة وادي النطرون، والدير الأحمر بسوهاج، ودير السيدة العذراء بجبل أسيوط، ودير الأمير تادرس الشطبي، ودير الأمير تادرس المشرقي، ودير وكنيسة مار جرجس بطرة.
ويُحسب للكاتب هنا عدم إغفاله الكنيستين القبطيتين الكاثوليكية والإنجيلية، واهتمامه بهما، من خلال عرضه لكنيسة القديس كيرلس بالكوربة والكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة. لاسيما وأن الكنيستين، الكاثوليكية والإنجيلية، قد تمصرتا بعد عهود من الإرساليات التبشيرية، بفضل انضمام بعض المواطنين الأقباط لهما وانخراطهم فيهما.
إن أهم ما يميز هذا الكتاب في رأيي هو أنه فرصة طيبة ليتعرف المسيحي على نفسه من جهة، ومن جهة أخرى ليتعرف المسلم على المسيحي شريك الوطن، لاسيما وأن المواطن المسيحي يعرف الكثير عن أخيه المواطن المسلم من خلال مناهج التعليم في مراحلها المختلفة فضلاً عن دور وسائل الإعلام المتعددة. وقد وفق الكاتب في ذلك إلى حد ليس بقليل، خاصة وأنه استعان بالصورة إلى جانب الكلمة المكتوبة.
فقط كنت أتمنى من مؤلف الكتاب أن يتبع تقسيماً زمنياً أو تقسيماً جغرافياً في عرضه للكنائس والأديرة. فيعرض الكنائس التي تنتسب لفترة زمنية واحدة مع بعضها، أو أن يقوم بعرض الكنائس والأديرة حسب الموقع الجغرافي. ومع كل فالكتاب فيه جهد بحثي وصحفي واضحين، وهو لذلك مناسب للقارئ العام.
وليسمح لي القارئ العزيز أن أذكر مقدمة الكاتب والتي يقول فيها “من حين لآخر تثار في مصر زوابع وعواصف لا تنتهي حول المباني التعبدية للأقباط (أديرة وكنائس)، ولأن الإنسان عدو ما يجهل، فقد استغل الكثيرون من صانعي الفتن حالة الغموض وعدم الإلمام بالكنائس ومكوناتها، الأمر الذي جعل البعض ينشر كثيراً من الأكاذيب حولها، لعل كان أكثرها سوءاً وشهرة الادعاء بوجود أسلحة وذخائر بالأديرة والكنائس في مصر، وهو ادعاء يتكرر منذ سبعينيات القرن الماضي بصور وأشكال مختلفة، كل هذا دفعني إلى تقديم هذا الكتاب لإخوتي المسلمين، الذين ليسوا غرباء عن الكنائس، حيث يشاركوننا الأفراح والأحزان، لكنهم قد لا يعرفون الكثير عن المبنى الكنسي، أشكاله ومكوناته والفرق بينه وبين الدير، وأتمنى أن أكون قد وفقت في تقديم بعض المعرفة التي تقربنا أكثر وتكون حجة قاطعة أمام أي ادعاءات أو أكاذيب يحاول البعض نشرها لبث الفرقة بين أبناء مصر، الذين لن يفرق بينهم شيء حتى قيام الساعة”.
تحية تقدير للصديق العزيز روبير الفارس، وتحية احترام للهيئة العامة لقصور الثقافة التي تُساهم بدور واضح ونصيب كبير في نشر ثقافة التنوير.