تبرز متابعات المرحلة الأولى للإستفتاء على الدستور عددا من الظواهر المهمة والتى إن تم مدها على إستقامتها سيكون لها بالغ الأثر على مستقبل العمل السياسى
تبرز متابعات المرحلة الأولى للإستفتاء على الدستور عددا من الظواهر المهمة والتى إن تم مدها على إستقامتها سيكون لها بالغ الأثر على مستقبل العمل السياسى، وسوف أذكر هنا ثلاث ظواهر أساسية مرتبطة بثنائيات معروفة وهى: ثنائية الريف والحضر، والرجال والنساء، والمسيحيين والمسلمين. فبخصوص ثنائية الريف والحضر، تحدث البعض على أن أهمية هذا البعد الجغرافى-الثقافى فى نتائج الاستفتاء، فغالبا ما ستذهب أصوات الجانب الريفى إلى قوى الإسلام السياسى، فى حين سينحو الطرف المدينى إلى التصويت ضد هذه القوى. فالإستفتاء فى جزء كبير منه لا يتعلق بالدستور بقدر ما يتعلق بالموقف من قوى الإسلام السياسى. وكما نعلم فإن القسمة بين الريف والحضر ليست مجرد قسمة جغرافية بل هى اجتماعية وثقافية واقتصادية كذلك. فالغالبية العظمى من أهل الريف وخاصة فى صعيد مصر هى من الجماعات التى تم استبعادها ثقافيا واجتماعيا، وتفاقمت أوضاعها فى ظل النظام السابق، وإن كانت قد شكلت رصيدا فى حسابات الحزب الوطنى الإنتخابية فى السابق إنطلاقا من العصبيات العائلية والقبلية، فإنها تشكل رصيدا فى حسابات قوى الإسلام السياسى الآن من منظور قد يبدو مختلفا وهو العصبيات الأيديولوجية. ولكن يجب أن نتذكر أن ثنائية الريف والحضر ليست ثنائية تتضمن حدودا قاطعة بين طرفيها، فنحن نعلم أن ظاهرة ترييف المدن لم تتوقف يوما، كما أنه بفعل الإعلام وأشكال التواصل الأخرى تم تذويب بعض الحدود بين الريف والحضر، وإن لم نكن وصلنا بعد إلى ظواهر تمدين الريف. وعلى أى حال فهذه الظاهرة تستحق الدراسة من زاوية التأثير على المشهد السياسى، فهل تتحول الجماعات الريفية من العصبيات العائلية والقبلية إلى العصبيات الأيديولوجية.
أما الظاهرة الثانية فتتعلق بمشاركة النساء، فقد تم اتهام النساء دائما بالسلبية السياسية، وكانت الريفيات كتلة تصويتية تابعة للعصبيات العائلية والقبلية. صحيح أن هناك كثير من النساء ممن يخضعن للعصبيات الأيديولوجية الجديدة، ولكن هنا الكثير من النساء ممن أردن التعبير عن رأيهن بقوة، ربما تفوق قوة الرجال أنفسهم. والجديد أن النساء فى هذه الحالة يعبرن عن قناعات فردية فهن لسن أعضاء فى أحزاب سياسية، أو حركات سياسية، كما يصر بعضهن على كشف عمليات التزوير ورفض أى إبتزاز أو تهديد. وهذه أيضا ظاهرة برزت بعد الثورة، وبدت أكثر وضوحا فى الاستفتاء الأخير، ولعلها من أهم الظواهر التى تدعو للتفاؤل.
أما الظاهرة الأخيرة، والتى تعد إيجابية كذلك، فهى خفوت القسمة على أساس دينى بين مسلمين وأقباط، فعلى العكس من الإستفتاء السابق على الإعلان الدستورى والذى بدا طائفيا إلى حد كبير، إلا أن الاستفتاء الأخير جاء على العكس رغم علم الجميع بأن غالبية الأقباط سوف يصوتون بلا. فلأول مرة تذوب القسمة الدينية فى التقسيم السياسى الجديد والذى يضع قوى الإسلام السياسى فى جانب والقوى المدنية والاجتماعية فى جانب آخر. وأتصور أن هذا من التطورات الإيجابية والتى لن تؤدى إلى إخفاء القسمة الطائفية ولكن ربما تضع حدا لها.
لا شك أن الوضع بشكل عام ينطوى على مخاطر عدة بسبب هشاشة مؤسسات الدولة وتفشى العنف، وتردى الأوضاع المعيشية، ولكن على المستوى السياسى وربما الثقافى ثمة متغيرات تبدو إيجابية على الأقل حتى الآن، ومن ذلك احتمالات تفكك العصبيات العائلية والقبلية، ظهور النساء كقوة سياسية، وإعادة رسم الخريطة السياسية على أساس سياسى وليس طائفى.
إ س