قداسة البابا تواضروس الثاني كان قد صرح فور إعلان نتيجة القرعة الهيكلية في4نوفمبر الجاري بأن علي رأس أولوياته في العمل العناية بترتيب بيت الكنيسة من الداخل…لم يدخل قداسته في تفاصيل ما يعنيه هذا التصريح
قداسة البابا تواضروس الثاني كان قد صرح فور إعلان نتيجة القرعة الهيكلية في4نوفمبر الجاري بأن علي رأس أولوياته في العمل العناية بترتيب بيت الكنيسة من الداخل…لم يدخل قداسته في تفاصيل ما يعنيه هذا التصريح,لكن الكثيرين أبدوا ارتياحهم به وباتوا يتطلعون إلي انتهاج خطة تطويرية لتحديث منظومة إدارة الكنيسة لتواكب مقتضيات العصر ولتتناسب مع الامتداد الضخم الذي حدث لها عبر العقود الأربعة الماضية بالإضافة إلي تحولها من مجرد كنيسة راعية خادمة للعقيدة المسيحية إلي مؤسسة وطنية فاعلة حاضرة في سائر قضايا الوطن.
مضت أزمنة قديمة كانت فيها الكنيسة لا علاقة لها بالدولة وكان البابا في تلك الأزمنة يأتي ويباشر مهامه الرعوية وتمضي فترة حبريته حتي نياحته دون أن يشعر به أحد خارج إطار شعبه ورعيته,وباستثناء نماذج محدودة من بابوات الكنيسة الذين اتخذوا مواقف وطنية أو اشتهروا بسياسات إصلاحية أو مثلوا أمام الحاكم لسبب أو لآخر, كان السياق المتصل هو مجئ وذهاب البابا محصورا في دائرة الأقباط والكنيسة لا تكاد تشعر به أركان الدولة ولا يعرفه من المسلمين سوي نماذج محدودة جدا…
ثم بدأت الأمور تتغير في عهد قداسة البابا كيرلس السادس البابا رقم 116 والذي لفت الأنظار إليه خارج إطار الكنيسة بالعلاقة الحميمة التي جمعته بالرئيس جمال عبد الناصر,فكانت اللقاءات التي تجمعهما تنال اهتمام الإعلام وبالتالي عرفه كثير من المصريين. ومن بعده جلس علي كرسي البابوية قداسة البابا شنودة الثالث البابا رقم117 ولايخفي علي أحد في مصر والعالم الطفرة التي حدثت في عهده للكنيسة وعلاقتها بالدولة والإعلام علي السواء فباتت الكنيسة محط الأنظار وتلهفت وسائل الإعلام علي تغطية أخبارها ومتابعة أنشطتها, كما لا يفوتني أن أسجل أن حبرية البابا شنودة شهدت كما هائلا من التحديات التي واجهتها الكنيسة سواء كمؤسسة مسيحية أو كشعب قبطي عاني الكثير من المضايقات ومظاهر التعصب والفرز بالإضافة إلي الكثير من المواقف السياسية والوطنية التي وجدت الكنيسة نفسها ضالعة فيها…وكلها كانت أمورا غير مسبوقة عالجها البابا شنودة بحكمة ثاقبة وبحس وطني عظيم أكسباه محبة واحترام وتقدير مؤسسات الدولة وإخوتنا المسلمين وسائر أجهزة الإعلام…لكن وسط كل ذلك الامتداد الضخم لمؤسسة الكنيسة وخروجها إلي العالمية وارتباطها بكافة مؤسسات الدولة ظلت تدار بجهود محدودة للغاية اعتمادا علي الشخصية الكاريزمية للبابا شنودة وبمركزية شديدة من مركزها في القاهرة.
الآن جاء وقت تحديث إدارة الكنيسة وتأسيس منظمومة متطورة تناسب حجمها وتشعبها واحتياجاتها وتعاملاتها مع شتي المنابر الدينية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية وغيرها بشكل يتفق مع مقتضيات العصر ويمتلك أدوات وتقنيات الإدارة…الكنيسة في حاجة ماسة إلي إعادة تشكيل مكتب قداسة البابا,فبينما من المحتم أن يتولي المكتب اللصيق بقداسته الآباء الرهبان أو الأساقفة يظل من الضروري جدا أن يعمل خلفهم فريق من الإداريين المتخصصين الذين يقودون إدارات السكرتارية والاتصالات والإعلام والمراسم وغيرها من مراتب وأقسام الإدارة التي تعني بالعمل اليومي الدؤوب الذي يتصل بقيادة الكنيسة.
الكنيسة في حاجة ماسة إلي مركز اتصالات يواكب العصر ويجعل من مهمة أي مسئول أو دبلوماسي أو إعلامي يبغي تحديد موعد أو ترتيب لقاء أو إجراء عمل إعلامي مع رئاسة الكنيسة مهمة سريعة ويسيرة…والذين احتكوا بمثل تلك المهام في السابق يعرفون تمام المعرفة كيف كانت شاقة وعسيرة.
الكنيسة في حاجة ماسة إلي مركز إعلامي ومتحدث رسمي محترف خارج إطار رجال الإكليروس,يستطيع ربط الكنيسة بمصر والعالم والاتصال بالإعلام والتحاور معه في كل وقت وفي الظروف الدقيقة وفي ظل الأزمات والمواقف المحتقنة,فلا يكون صمت الكنيسة مدعاة لانتشار الشائعات ولا تعاني الكنيسة من مغامرات الإعلام التي تنشط في ظل شح وندرة المعلومات.
الكنيسة في حاجة ماسة إلي إدارة للمراسم والبروتوكول يتولاها المتخصصون الذين عملوا طويلا في هذا المجال الحساس,لأن الكنيسة أصبحت مؤسسة علي درجة كبيرة جدا من الأهمية, وكل خطوة تخطوها تحسب لها أو عليها ولا تتحمل أن تخطيء أو ترتبك أو تتعثر في تعاملها مع مقتضيات المناسبات المختلفة وعلاقتها بسائر المنابر ومستويات السلطة سواء في الدولة أو خارجها…أولئك المتخصصون يمتلكون الخبرة والدراية والقواعد المعلوماتية التي تؤهلهم لاتخاذ قرارات صائبة وإدارة الأمور بشكل يليق بالكنيسة ومكانتها وعراقتها.
هذه مجرد أمثلة لما يجب أن يكون عليه مكتب قداسة البابا رأس الكنيسة وراعي شعبها, بعد أن بات يجلس كما كالمايسترو يقود مؤسسة عالمية…والأمل أن يستطيع قداسة البابا تواضروس الثاني إنجاز ذلك حتي ينتقل إلي ملفات أخري مهمة ننتظر فتحها وإنجازها.