لاشك أن خطاب حقوق الإنسان قد شهد انتشارا ملحوظا خلال السنوات الماضية، ويعود الفضل فى هذا إلى الاعلام بكافة اشكاله بما فى ذلك الإعلام الاجتماعى. ويمكن القول أن الفضل يعود للمنظمات الحقوقية فى بناء هوية محلية لحقوق الإنسان منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى
لاشك أن خطاب حقوق الإنسان قد شهد انتشارا ملحوظا خلال السنوات الماضية، ويعود الفضل فى هذا إلى الاعلام بكافة اشكاله بما فى ذلك الإعلام الاجتماعى. ويمكن القول أن الفضل يعود للمنظمات الحقوقية فى بناء هوية محلية لحقوق الإنسان منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى، أما إنتشار هذه الأفكار لاحقا فقد تم بمعاونة أطراف أخرى عديدة ومنها الإعلام ومنظمات التنمية التى بدأ بعضها فى أعقاب مؤتمرات الأمم المتحدة العالمية فى تبنى النهج الحقوقى والمساواة فى النوع الاجتماعى. وقد انتشر هذا الخطاب إلى حد أن استعانت به الحركات الدينية رغم أنها تتنكر له، ومثال ذلك الإخوان المسلمون والذين أدخلوا مفردات حقوقية ضمن خطابهم وخاصة فى مجال الحقوق السياسية لأسباب لا تتعلق بالحقوق بقدر ما تتعلق بالمصالح السسياسية. وبشكل عام فقد أصبحت لغة الحقوق لحد كبير هى لغة التعبير عن الذات وعن المطامح السياسية والاحتجاج الاجتماعى والثقافى.
وعلى الرغم من انتشار لغة الحقوق، إلا أنها ظلت مقيدة زاويتين رئيسيتين: أولا: بسبب ضعف الآليات اللازمة لإعمال هذه الحقوق؛ وثانيا: عدم وجود الإرادة السياسية لمأسسة قيم حقوق الإنسان وخاصة فى المؤسسات التربوية أو على مستوى التشريع والقانون. ويضاف إلى ذلك، استمرار حرب السلطات ضد المنظمات العاملة فى مجال حقوق الإنسان وفرض القيود على حركتها وعلى مصادر دعمها. وهكذا فقد ظل خطاب حقوق الإنسان بلا فعالية ملموسة، وبلا جذور اجتماعية قوية. ومع ذلك لا يمكن إنكار جهود الحقوقيين فى استخدام المتاح من الآليات للدفاع عن حقوق الإنسان.
ويبقى السؤال الأهم وهو: ما هو أثر “الثورة” المصرية على دينامية حقوق الإنسان؟ فى هذا السياق يمكن أن نرصد عدد من المتغيرات والتحديات الجديدة:
أولا: أن دينامية حقوق الإنسان تجاوزت بوتيرة سريعة منظمات حقوق الإنسان، وخاصة مع ظهور فاعلين جدد بالمعنى السياسى والاجتماعى، وخاصة فى أوساط الشباب ومن خلال الفضاء الافتراضى.
ثانيا: تعمق التداخل بين المجتمعين المدنى والسياسى، فعدد كبير من نشطاء المجتمع المدنى انجذبوا بقوة نحو المجال االسياسى، كما أن كثير من السياسيين بدأو فى تبنى لغة وأدوات المجتمع المدنى.
ثالثا: إحتلال الفضاء الافتراضى، وخاصة الفيسبوك، موقعا مهما فى العمل الحقوقى، وهى ظاهرة جديدة لتأسيس جماعات حقوقية افتراضية وغير ممأسسة بالشكل التقليدى. وهذا سيشكل واقعا جديدا من حيث الأبعاد القانونية والمؤسساتية لهذه الجماعات الافتراضية.
رابعا: مع دخول فاعلين جدد، تتعدد المرجعيات الفكرية لمسألة الحقوق، مما سيؤثر على نقاء الخطاب الحقوقى الذى إعتادت علية المنظمات الحقوقية منذ نشأتها. وهكذا يمكن القول أن انتشار خطاب حقوق الإنسان ينطوى على مجازفة فقد هويته.
خامسا: يشكل صعود الإسلام السياسى التحدى الأكبر، فلم تعد هذه القوى مجرد طرف فى العراك الأيديولوجى حول قيم حقوق الإنسان، لأن موقعها فى السلطة قد يؤدى إلى خلق بنى تشريعية ومؤسساتية قد تتعارض صراحة مع مبادئ حقوق الإنسان.
وفى المرحلة الراهنة، ثمة حاجة للتعرف على تفاعلات خطاب حقوق الإنسان مع الخطابات السياسية والثقافية المختلفة. فلاشك أن هذا الخطاب سيكون اكثر حيوية بإرتباطه بالديناميات السياسية والثقافية المختلفة، ولكنه من ناحية أخرى قد يفقد نقائه المرجعى ويتم إلحاقه بمرجعيات سياسية ودينية تؤثر على تماسكه وعلى مبدأ عالمية حقوق الإنسان. فكل فرد الآن قد يكون مؤهلا للتعبير عن ذاته بلغة الحقوق، ولكن هذا لا يعنى بالضرورة أن كل فرد سيكون مدافعا عن كونية حقوق الإنسان. ومن هنا فإن على النشطاء أن يشتبكوا مع الديناميات الجديدة ليس فقط من أجل الدفاع عن الحقوق ولكن أيضا من أجل بناء وعى جماعى بعالمية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة.