يقول بعض المراقبين إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول ترجيح كفة المرشح ##الجمهوري## ميت رومني علي حساب أوباما في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر المقبل. وانطلاقا من سلوكياته الأخيرة – وبناء علي البحث
يقول بعض المراقبين إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول ترجيح كفة المرشح ##الجمهوري## ميت رومني علي حساب أوباما في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر المقبل. وانطلاقا من سلوكياته الأخيرة – وبناء علي البحث الذي أجريته شخصيا حول مآل وتأثير هذه الجهود في سياقات أخري- يمكن القول إن هذه الاتهامات صحيحة علي الأرجح.
بيد أن إدراك أن نتنياهو ربما يكون بصدد التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية, يمكن أن يعقد نقاش السياسة الخارجية خلال محطات الحملة الانتخابية, وتكون له تداعيات علي العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في المستقبل.
ففي بداية هذا الشهر, بدأ نتنياهو يضغط فجأة علي واشنطن حتي تحدد ##خطوطا حمراء## لإيران بشأن برنامجها النووي. كما حذر في الحادي عشر من سبتمبر من أن الدول التي تفشل في القيام بذلك ##ليس لديها حق أخلاقي في تحديد خط أحمر لإسرائيل##. وفي ما بعد, أشارت مصادر إسرائيلية مجهولة (ونتنياهو نفسه, علي ما يقال) إلي أن أوباما يتعالي علي الزعيم الإسرائيلي عبر رفضه الالتقاء به خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ورغم محاولة أوباما الفورية تبديد أجواء التوتر عبر إجرائه مكالمة هاتفية في وقت متأخر من الليل مع نتنياهو, فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي ظهر بعد ذلك في برامج حوارية يوم الأحد الماضي ليقول للشعب الأمريكي إن رئيسه لا يقوم بما يكفي بشأن موضوع إيران.
جهود نتنياهو الحثيثة الرامية إلي تسليط الضوء علي فروق صغيرة بين موقفي إدارة أوباما وإدارته, ولدت اتهامات بأنه يسعي إلي مساعدة صديقه القديم ##ميت رومني## للفوز في الانتخابات. ومن بين المراقبين الذين يتهمونه بالتدخل هناك كتاب أعمدة رأي مخضرمون في ##نيويورك تايمز## و##نيويوركر## و##تايم ماجازين## و##هآرتس##, إضافة إلي زعيم المعارضة الإسرائيلية شاؤول موفاز.
وبالمقابل, يعتقد معلقون خبراء آخرون أن ما قام به نتنياهو لا يهدف إلي التدخل في الانتخابات الأمريكية. والواقع أن نتنياهو نفسه شعر بالضغط واضطر لطمأنة المراقبين إذ قال: ##إنني لن أسمح بجري إلي الانتخابات الأمريكية##. غير أن مشكلة محاولة إثبات أو تفنيد مثل هذه الاتهامات تكمن في أن ممارسي التدخلات لديهم دوافع قوية لنفي نواياهم الحقيقية, إذ يقدمون دعمهم لسياسيين مفضلين لديهم من حيث مواضيع السياسات, وليس من حيث التفضيل الشخصي.
وفي الدراسات التي قمت بها لمثل هذه التدخلات في العلاقة الأمريكية- الإسرائيلية, وجدت أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن يشعر المشاركون فيها ببعض الارتياح والرغبة في الاعتراف بنواياهم الحقيقية.
وهكذا, فقد استطعت مؤخرا فقط الحصول علي شهادات رسمية من مسئولين أمريكيين – وأرشيف أزيل عنه طابع السرية – تفيد بأن الرئيس جورج بوش الأب, مثلا, اتبع جهودا واعية ومصممة في 1992 من أجل المساعدة علي انتخاب المرشح المؤيد للسلام اسحاق رابين رئيسا لوزراء إسرائيل. ومع ذلك, فإن الوضع الحالي يحفل بالمؤشرات التي تنوه إلي أن أحد أهداف نتنياهو الخاصة ربما تكون صياغة ملامح الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وأحد أسباب ذلك علاقته المتوترة مع الرئيس الحالي وصداقته الطويلة مع منافسه ##الجمهوري##.
ولعل ما يبدو أزمة مفتعلة حول رفض أوباما الالتقاء به في الأمم المتحدة دالة ومعبرة علي نحو خاص. ويعتبر هذا النوع من ##دبلوماسية التعالي## صفة كلاسيكية ميزت العديد من حالات التدخل الماضية.
بيد أن نبرة نتنياهو الصدامية والقوية تجاه إدارة أوباما بسبب إيران لا تبدو منطقية من وجهة نظر دبلوماسية, وذلك لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي حصل منذ بعض الوقت علي التزام غير مسبوق من أوباما بأنه لن يسمح أبدا لإيران بعسكرة برنامجها النووي, وسيستعمل القوة إذا ما لزم الأمر للوفاء بهذا الوعد.
وبالتالي, فإن الوعود الأمريكية الحالية يفترض حقا أن تكون كافية, (حتي لا نقول مرضية بشكل كلي من منظور إسرائيلي), اللهم إلا إذا كان نتنياهو يشكك في قدرة أمريكا أو وعد الرئيس.
كل هذه العوامل تشير إلي أن نتنياهو يحاول التأثير علي الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. غير أن إدراك هذا الأمر يطرح في الوقت نفسه فرصا وتحديات للحملات الرئاسية حول السياسة الخارجية. فـ##الديموقراطيون## يمكن أن يحاولوا التصدي لذلك والرد علي هذا السلوك المثير للجدل عبر تعبئة المشاعر القومية ضد تدخل أجنبي في الانتخابات الأمريكية واتهام ##رومني## بتشجيع مثل هذه التدخلات.
غير أن ذلك قد يكون تكتيكا خطرا, علي اعتبار أن العديد من الناخبين الأمريكيين اليهود ينظرون إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بعين الرضا عموما.
وبالمثل, فإن ##الجمهوريين## يمكن أن يشيروا إلي تصويت نتنياهو بالثقة لمرشحهم كمؤشر علي أن رومني مستعد للساحة العالمية. غير أن مثل هذه الخطوة يمكن أيضا أن تأتي بنتائج عكسية عبر التلميح إلي أن مكانة ##رومني## الداخلية لوحدها لا تكفي لجعله يعبر خط النهاية في السباق الانتخابي.
غير أنه بغض النظر عمن سيفوز في انتخابات نوفمبر, فإن الرئيس الأمريكي من المرجح أن يتذكر سلوك نتنياهو خلال هذه الفترة الدقيقة. وعلي المدي القصير, قد يحصل رئيس الوزراء الإسرائيلي علي تنازلات إضافية من واشنطن حول موضوع إيران وقد لا يحصل. غير أنه عندما سيواجه نتنياهو الانتخابات في بلده في 2013, فإنه سيجد نفسه علي الأرجح عرضة لتدخل أمريكي, إما انتقاما منه أو مكافأة له.
وعلي أقل تقدير, ينبغي أن تشكل هذه التطورات تذكيرا قويا بأن التحالفات الدولية هي في أحيان كثيرة أكثر فوضوية مما يرغب معظم السياسيين في الاعتراف به.
كريستيان ساينس مونيتور