الذكريات تنبت أيضا في أرض النار.. في جبهات الحرب حيث رائحة الموت وصوت المدافع وغبار البارود. جنودنا البواسل أبطال الحرب والسلام لهم الكثير من المواقف والذكريات التي تحمل أسمي المشاعر وأرق الأحاسيس لتجسد حقيقة الرجال.. أسود
الذكريات تنبت أيضا في أرض النار.. في جبهات الحرب حيث رائحة الموت وصوت المدافع وغبار البارود. جنودنا البواسل أبطال الحرب والسلام لهم الكثير من المواقف والذكريات التي تحمل أسمي المشاعر وأرق الأحاسيس لتجسد حقيقة الرجال.. أسود الذود عن الوطن وقلوب عامرة بالحب.. ما أروع الاقتراب منهم والإبحار في شرائط ذكرياتهم لنتعرف عن كثب علي مواقف وذكريات وحكايات لم يتم البوح بها.. لعلنا عبر مواقفهم نبث الأمل وننعش الروح الوطنية لدي المصريين في عيد الشهيد.
من هذه الروح قال لنا الروائي فوزي وهبة ويحمل بداخله مرارة نكسة 1967 وعزة نصر أكتوبر 73- لي شقيقان كانا من أبطال حروب مصر. وكانت لهما كثير من المواقف والذكريات التي دفعتني أن أكتب بعضها في روايتي عيون علي الخط. وهما أخي المجند المهندس الزراعي جورج وهبة الذي التحق بالجيش الثاني عام 1968 حتي عام 1974, له بطولات ومواقف كثيرة خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر خلال عمله في كتيبة المدفعية الثقيلة المسماة أبو جاموس والتي كان يرأس قادتها البطل المشير أبو غزالة في منطقة الإسماعيلية. وأخي الثاني النقيب ممدوح وهبة.. واحد من أبطال كثيرين استشهدوا في حرب أكتوبر. التحق النقيب ممدوح بالجيش بعد تخرجه في كلية العلوم, كما تخرج في كلية الضباط الاحتياطي عام 1970 وانضم لكتيبة جديدة تم تشكيلها هي كتيبة مدفعية هاونات ثقيلة.
أحب ممدوح جنوده كثيرا, وبالأكثر مجند مؤهلات اسمه محمد نجيب, كان بمثابة أخ له.. وقد استشهد الاثنان معا في 21 أكتوبر 1973 أثناء رجوعهم من عملية الثغرة. وتم دفن الشهيدين بجوار بعضهما في مقبرة بالسويس. وأقوم كل عام بزيارتهما ونثر الزهور, وأصلي علي روح أخي أما الشهيد محمد نجيب فأحضر شيخا يقرأ له الفاتحة وبعض آيات القرآن الكريم.
أما ذكريات الرائد والمقاتل حسني سلامة أحد أبطال معركة رأس العش فيسردها لنا بحماس المقاتل فيقول: التحقت بالجيش منذ عام 1963 وخضت حروبا كثيرة. حاربت في اليمن و 1967 وحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر .1973 وتركت القوات المسلحة في يناير .1980
يسكت قليلا ثم يقول وابتسامته ممزوجة بالدموع: الشهيد سامي زكي مسعد من بورسعيد. كانت تربطني به علاقة قوية. سامي مثقف جدا , وكان يدفعني للقراءة خصوصا لجبران خليل جبران. وكان يصوم معنا في شهر رمضان ويفطر ويتسحر معنا. كنت مكلفا بواجبات إدارية إضافية علي مهامي مثل تجهيز ذخيرة وتوزيع أغذية وخلافه. وفي أحد الأيام كنت أقوم بتوزيع برطمانات عسل أبيض, بحيث يشترك كل جنديين في برطمان, وبعد أن انتهيت من الأعمال جاء سامي والبرطمان بيده فارغا وقال ضاحكا: قلت يمكن تكون دي آخر أكلة وأكون أكلت أكلك وأكلي فقلت له بالهنا والشفا. وصدقت نبوءته, فعند عبور القناة خلال حرب الاستنزاف وبمجرد فتح الساتر الترابي, جري سامي وكان أول واحد يصل الساتر واستشهد وشطر وجهه وجسمه نصفين. وحملته علي كتفي وأنا أتذكر كلامه عن برطمان العسل. وفي هذه المعركة بور توفيق كنت أول من رفع علم مصر علي الضفة الشرقية في موقع الأعداء وظل مرفوعا لمدة ثلاثة أيام بسبب أني ثبته في أعلي صهريج المياه. وأي محاولة لإنزاله أو صعود الصهريج يجد الجندي الإسرائيلي المدافع والرشاشات المصرية تلاحقه مما دفع الإسرائيليين إلي نسف الصهريج.
ويروي لنا المقاتل حسني حكاية الشهيد محمد إبراهيم أبو زيد أحد أبطال معركة رأس العش: كان الشهيد محمد يحب خطيبته جدا وأنا كنت أمارس ميولي الفنية. كان يعطيني صورة خطيبته لأرسمها كما يحب أن يراها.
كانت التعليمات أن أي جندي يصاب لا يستمر في القتال ويرجع القناة. وأصيب أبو زيد إصابة بالغة. وبعد القضاء علي القوات الإسرائيلية وفي حالة السكون التي عمت الموقع بالكامل, فوجئت بمحمد ينادي علي, وكنت أظن أنه عاد إلي القناة, إلا أنه ظل علي الشاطيء الشرقي للقناة بجانبنا. وعندما شعر أن المعركة انتهت عاد وعندما توجهت له ظهر فجأة أحد الجنود الإسرائيليين أراده قتيلا بإحدي الطلقات في رأسه, فأنتابني غضب شديد وأطلقت عليه طلقات كثيرة انتقاما لمحمد أبو زيد, ثم أخذت كل متعلقاته واللوحات وأعطيتها إلي أهله وخطيبته.
إن كان حديثنا انتهي مع المقاتل حسني سلامة, لكن مازالت لديه الكثير من المواقف والذكريات. وتبقي حكايات وذكريات الأبطال خالدة ومتجددة مادامت أرض مصر تنبت بالرجال الطيبين الذين يجسدون كل معاني الحب والآخاء والتضحية.
إ س