الدكتور محمد مرسي خلال زيارته الأخيرة لنيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التقي بالمصريين وبالعديد من الأجهزة الإعلامية,وفي جميع هذه اللقاءات كان يؤكد علي عدم وجود تمييز ضد الأقباط في
الدكتور محمد مرسي خلال زيارته الأخيرة لنيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التقي بالمصريين وبالعديد من الأجهزة الإعلامية,وفي جميع هذه اللقاءات كان يؤكد علي عدم وجود تمييز ضد الأقباط في مصر بل كان يبدي تعجبه ممن يسأله عن ذلك نافيا تماما وجود مشاكل طائفية أو مضايقات يتعرض لها الأقباط ومستنكرا اعتبارهم أقلية دينية….هذه التصريحات من جانب رئيس الجمهورية يعتبرها كل من له صلة حقيقية بواقع الأقباط من قبيل النوايا الحسنة أو المشاعر الطيبة,لكنها تظل متجاهلة الواقع المعاش والضرورة الملحة لاتخاذ الدولة إجراءات تشريعية وتصحيحية لعلاجه.
الكلام الطيب الذي يعكس اعتدال رئيس الجمهورية لا بأس به,لكن ذلك ليس ما يريد أن يسمعه المعنيون بالأمر-وهذا يذكرني بما دأب عليه الرئيس السابق حسني مبارك كلما انفجرت أحداث طائفية واعتداءات علي الأقباط فقد كان حريصا دائما علي التأكيد علي أنه لا فرق عنده بين مسلم وقبطي(!!),كان يصرح بذلك فقط دون أن يفعل شيئا لعلاج الخلل الذي يفرز تلك الأحداث ودون أن يراجع الأجهزة السياسية أو الأمنية التي يرأسها بشأن تواطؤها مع ذلك المناخ المريض وسكوتها عليه…الآن لم تعد تجدي مجرد التصريحات المعسولة من رئيس الجمهورية,فما يريد المواطنون أن يسمعوه هو ماذا هو فاعل لإصلاح شتي أوجه معاناة الأقباط والتمييز ضدهم…فكيف يكون الأقباط مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات بينما لم يتم إصلاح التشريعات الحاكمة لبناء دور عبادتهم لتتساوي مع المسلمين؟…كيف يقول رئيس الجمهورية إنه لا توجد مشاكل طائفية في بلده وهو يقبض في يده علي واحدة من أكثر التشريعات فرزا بين المصريين وهي سلطته في الموافقة علي بناء الكنائس دون المساجد؟….ألا يدري الدكتور محمد مرسي أنه بكونه رئيسا للجمهورية قد انتقلت إليه هذه السلطة سواء أرادها أو لم يردها؟…هل يجهل سيادته المناخ المريض والواقع المؤسف الذي يستشري في ربوع مصر نتيجة إعمال تلك التشريعات التي تفرق بين المصريين؟
أعرف أن الدكتور محمد مرسي تسلم سلطات رئيس الجمهورية منذ فترة وجيزة وفي ظل أوضاع دقيقة للغاية تمر بها مصر,وأن ملف التحديات والأولويات التي تتطلب التصدي لها طويل وشائك…كما أعرف أنه لا يألو جهدا منذ تسلمة السلطة للعمل علي إقالة مصر من عثرتها…لكني أعرف أيضا أنه لا يجب أن يدير ظهره لمشاكل الأقباط مع حقوق المواطنة وأنه إذا كان يتعذر عليه حل تلك المشاكل فورا فعلي الأقل عليه أن يعترف بوجودها ويعلن عن رؤيته المستقبلية بشأن السياسات والتشريعات المزمع اتباعها لعلاج المشاكل…هذا وحده وليس التصريحات المعسولة هو ما يقنع الأقباط-وسائر المهمومين بواقع المواطنة في مصر-أن المشاكل في طريقها إلي الحل ويجعلهم أكثر قدرة علي التفهم والصبر والانتظار لحين إتمام ذلك.
هل يخفي علي الرئيس محمد مرسي مناخ التعصب والفرز الذي يعاني منه الأقباط منذ نحو أربعة عقود؟…وإذا كان لا يعرف شيئا عن ذلك قبل ثورة 25يناير2011 ألم يعايش مسلسل الأحداث الطائفية التي تعرض لها الأقباط وكنائسهم بعد الثورة؟…ألم يتابع تعهدات رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف للأقباط المعتصمين في ماسبيرو بإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة دون الوفاء بتعهده؟…ألم يبلغه تعهد الدكتور عصام شرف بتشكيل لجنة لدراسة أوضاع الكنائس المغلقة أمنيا لإعادة فتحها دون الوفاء بتعهده؟…ألم يسمع عن التزام المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإصدار قانون دور العبادة وقانون تجريم التمييز دون أن يحدث شيئ؟…ألا يدري سيادته أنه ورث كل ذلك باستلامه سلطات رئيس الجمهورية؟…ماذا ينتظر حتي يأخذ المبادرة بالإصلاح وهو الذي يستحوذ علي السلطات التشريعية في غياب البرلمان؟…هل فعلا يمتلك الرئيس مرسي الإرادة السياسية ليكون بحق رئيسا لكل المصريين كما وعد مرارا في حملته الانتخابية؟…إن غياب الإرادة السياسية هو الشيطان الذي عطل ومايزال يعطل كل جهود الإصلاح الذي طال انتظاره لعلاج هموم الأقباط.
وقد يقول قائل إن الرئيس مرسي قام بتعيين اثنين من مساعديه علي درجة كبيرة من الاحترام والدراية والخبرة,وأحال لهما ملفي التحول الديموقراطي والمواطنة,فلننتظر لنري ماذا هما فاعلان وكيف تتمخض عنهما سياسات الإصلاح المرتقبة…وأنا أوافق علي كل ذلك بل أقول في كل وقت وفي كل منبر تثار فيه أحوال مصر إن علينا أن نترفق برئيس الجمهورية وأن نعطيه فرصة عادلة للعمل ثم نحاسبه…لكني أكرر أنه حتي يتم ذلك لا يستقيم أن ينبري الدكتور مرسي في لقاءاته بالمصريين والإعلاميين والمسئولين في الداخل أو في الخارج بنفي وجود مشاكل طائفية للأقباط أو الحاجة للسياسات الإصلاحية.