انهيار العملة الإيرانية بقدر ثلث قيمتها خلال أسبوع سيترك أثره علي الطموحات الإيرانية النووية والإستراتيجية – سيما عبر البوابة السورية ? وقد تجد روسيا نفسها في حاجة لانتشال حليفها الإيراني لأسباب متعددة من ضمنها
انهيار العملة الإيرانية بقدر ثلث قيمتها خلال أسبوع سيترك أثره علي الطموحات الإيرانية النووية والإستراتيجية – سيما عبر البوابة السورية ? وقد تجد روسيا نفسها في حاجة لانتشال حليفها الإيراني لأسباب متعددة من ضمنها حاجتها له في معركتها ضد الولايات المتحدة في جيرتها الإسلامية في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. هناك ثلاث مدارس فكر حول ما ستؤول إليه الأمور في العلاقة الأمريكية ? الإيرانية وما لذلك من دلالات وإفرازات داخل منطقة الشرق الأوسط ومع روسيا: الأولي تقول إن الرئيس الأمريكي بارك أوباما ? الذي يرجح أن يحصل علي ولاية ثانية ? لن يضرب إيران مهما كان وبالتالي ستحصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي القدرة النووية العسكرية وتقوم باختبار نووي في غضون سنة أو سنتين. الثانية تقول إن لا مناص من مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران تنطلق من ضربة إسرائيلية ضد مواقع نووية إيرانية وتمر بانتقام إيراني من المواقع الاقتصادية للدول العربية في منطقة الخليج. والثالثة تقول إن العقوبات تؤدي إلي تآكل إيران داخليا وانهيار العملة والاقتصاد سيؤدي إلي انحسار قدرة طهران علي تمويل النظام في دمشق و حزب الله في لبنان, وإن روسيا لن تتمكن في نهاية المطاف أن تكون مصرفا لإيران قادرا علي إنقاذها اقتصاديا ونوويا.
كل من مدارس الفكر هذه له سيناريوات مفصلة ولافتة. القاسم المشترك بينها أن التحالف الروسي ? الصيني ? الإيراني مع النظام في دمشق لن يتمكن من إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة مهما طال الزمن, وأن إطالة النزاع في سورية ستؤدي إلي حرب إنهاك واهتراء في حرب أهلية قد تسفر عن تقسيم سورية علي نسق ما حدث في يوغوسلافيا السابقة. ولكن, حتي التقسيم يجد من يعتبره ممكنا وآخرون يعتقدون أن لا أرضية له للاستمرار.
القاسم المشترك الآخر هو تقويم كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين علي أساس افتقادهما معا الفكر الاستراتيجي والتفكير في المصالح البعيدة المدي. أوباما, في نظر البعض, متعجرف وعنيد وانعزالي يفتقد الشجاعة علي الإقدام ويفضل الاختباء وراء المعدة الأمريكية التي لا تهضم التدخل بدلا من أن يكون قياديا يعرف أين هي المصلحة الأمريكية في زمن الانتقالية والمعادلات الإستراتيجية الجديدة. وبوتين, في رأي البعض, رجل العضلات والقومية الروسية المفرطة الذي يثمن نفسه غاليا ويعتبر نفسه قائدا لدولة عظيمة ? فيما روسيا في المرتبة الثانية. وهو يتبني الانتقام سياسة للإهانة ولا يهمه الثمن الذي يدفعه الأبرياء فدية.
فلاديمير بوتين استغل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان ثم ثار ضده في ليبيا وها هو ينتقم منه علي أشلاء السوريين. الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش قدم الخدمات لكل من روسيا والصين في أفغانستان قبل أن يتوسع ويصل الجمهوريات الإسلامية الخمس التي تطوق روسيا وتقترب من الصين من دون أن تشارك موسكو بيجينج في تغطية الكلفة الباهظة. باراك أوباما ارتكب خطأ عدم إرضاء بوتين في الصفقة الكبري بما في ذلك عدم تقديم ميناء طرطوس لروسيا, إنما ما يستعد للقيام به في أفغانستان من دون أن يقصد قد يكون الصفعة القاضية لفلاديمير بوتين.
قد يضطر فلاديمير بوتين أن يشن حربه هو علي الإرهاب ? كما سبق وفعل جورج دبليو بوش ? بل لعله يعتقد أنه يفعل ذلك في سورية. بوش استدعي القاعدة وأخواتها إلي العراق وشن حربا هناك لإبعاد الإرهاب عن المدن الأمريكية, كما قال. بوتين ساهم في مجيء الجهاديين إلي سورية عبر سلسلة الفيتو التي استخدمها في مجلس الأمن انتقاما مما فعلته الناتو في ليبيا. هكذا قام بتنمية التطرف في سورية فيما كانت التظاهرات في أولها مدنية مطالبة فقط بالإصلاح في سورية. بوش دخل حربا بقواته في العراق. بوتين يحشد موازنة بحوالي 70 مليار دولار لمواجهة التطرف الإسلامي الآتي إليه علي أبوابه. بوش قدم العراق إلي إيران ولعب اللعبة الشيعية ? السنية انطلاقا من أن إرهاب هجمات سبتمبر 2001 أتي من السنة. بوتين يتحالف مع إيران من المنطلق المذهبي نفسه إنما أيضا لأسباب ذات علاقة بكراهيته للولايات المتحدة من جهة, وللعرب من جهة أخري. انه يحترم استقواء إيران ويحتقر ضعف وتمزق العرب, وهو يجد قاسما مشتركا بينه وبين ملالي طهران في الكراهية المطلقة للولايات المتحدة وحاجته إلي المواجهة معها ? إنما عبر الحروب بالنيابة.
إيران لن تكون خاسرة بموجب السيناريو الأول الذي تتبناه مدرسة حصولها علي القدرة النووية بعدما تقوم باختبار نووي عسكري يقول البعض إنه سيحدث في غضون سنة أو سنتين. بعد الاختبار يفوت الأوان. عندئذ يبدأ سباق تسليح في منطقة الخليج وهناك دلالات علي استعدادات احترازية جدية من قبل بعض الدول الخليجية القادرة علي امتلاك القدرة النووية. سيفوت الأوان عندئذ علي الولايات المتحدة وإسرائيل ولن تتمكنا من لجم إيران أو السباق علي التسلح النووي في المنطقة العربية.
أما إسرائيل, فإن ما يشار إليه بـ ضعف رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو سيؤدي إلي مضي إيران قدما نوويا, بحسب رأي البعض, سيما وأن الرئيس الأمريكي لن ينجر الي ضرب إيران نيابة عن إسرائيل.
السيناريو الثاني يقوم علي افتراض قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية ضد مواقع إيرانية تورط الولايات المتحدة فيها وتضطر أوباما إلي التدخل العسكري إذا ردت إيران عسكريا علي إسرائيل.
لكن هناك معلومات تفيد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تنتقم من إسرائيل مباشرة أو من القوات الأمريكية في المنطقة وإنما سترد عبر ضرب المواقع الاقتصادية الحيوية في الدول العربية في الخليج.
ومن المستبعد أن تبقي القيادة الإيرانية صامتة تماما أمام ضربة إسرائيلية لأن في ذلك إهانة وطنية وضعفا لها داخليا. إذا صمتت, فإن ذلك قد يكون لأنها تقترب أو باتت جاهزة للقيام باختبار نووي.
تطور الأمور نحو حرب أمريكية ? إيرانية سيؤدي إلي انهيار أسرع للنظام في دمشق. حزب الله قد يورط أو يتورط عبر استخدام الساحة اللبنانية طرفا للانتقام الإيراني من إسرائيل فينهار بدوره بسرعة أو قد ينأي بنفسه, ويختار الإصلاح.
السيناريو الثالث ينطلق من تآكل اقتصادي داخل إيران يبدأ بانهيار العملة ويمر بأزمة اقتصادية تثير الداخل الإيراني علي القيادة في طهران. هذا الاهتراء سيؤدي إلي الاضطرار لتخفيض جدي للدعم الذي تمده طهران لحليفها في دمشق الذي بدوره دخل حلقة الاهتراء والتآكل الاقتصادي. وسيؤدي أيضا إلي انحسار التمويل الإيراني لـ حزب الله في لبنان, ولذا فرن حبل الإنقاذ فقط في أيدي بوتين, لكنه بدوره مطوق بعد أن أوقع نفسه في أخطاء استراتيجية قد يندم عليها كثيرا.
نقلا عن جريدة الحياة اللندنية