فشلت في رصد المكتسبات السياسية التي حققتها مظاهرات24أغسطس الماضي,فعلي مستوي المليونيات-وهو تعبير مجازي مبالغ فيه اكتسبته المظاهرات الحاشدة-لم تكن مليونية,وعلي مستوي التعبير عن الرأي لم تقدم جديدا يضاف
فشلت في رصد المكتسبات السياسية التي حققتها مظاهرات24أغسطس الماضي,فعلي مستوي المليونيات-وهو تعبير مجازي مبالغ فيه اكتسبته المظاهرات الحاشدة-لم تكن مليونية,وعلي مستوي التعبير عن الرأي لم تقدم جديدا يضاف إلي الرصيد السياسي للتيارات المدنية الرافضة لمحاولات أخونة الدولة المصرية,وأخيرا علي مستوي القدرة علي جمع شتات المدافعين عن الدولة المدنية في تكتل واحد واضح يعمل له ألف حساب سياسيا وانتخابيا,كان الجمع هزيلا محبطا يدل علي أن هناك عملا كبيرا مازال علي التيارات المدنية إنجازه إذا أرادت أن يكون لها موقع علي الخريطة السياسية.
لست أرفض كل أشكال التعبير السلمي عن الرأي وليس لدي مانع من خروج مظاهرات الاحتجاج في كل وقت وفي أي مكان,لكن العبرة في النجاح أو الفشل تكون في القدرة علي تغيير الواقع موضوع الرفض والاحتجاج,فإذا كان الأمر مقصورا علي الوقفة الاحتجاجية وتسجيل الرفض جماهيريا وإعلاميا سيستمر الواقع المرفوض دون تغيير ولن تخرج المظاهرات عن تسجيلها الأرشيفي في سجل المظاهرات…أما تغيير الواقع فله أدوات أخري ليست خافية عن محركي المظاهرات وعليهم الإسراع بتفعيلها لأنها تقتضي الكثير من الجهد والوقت والتضحيات.
ولا يفوتني أن أسجل أن اللعبة السياسية لها أوراق تتراوح بين الفعلي والشكلي وكل من أنهي استعداداته في مجال الأوراق الفعلية قد يمتلك ترف اللعب بالأوراق الشكلية,أما من لم يستكمل العمل في مجال الأوراق الفعلية لايجب إطلاقا أن يستدرج للعب بالأوراق الشكلية لأنه بذلك يستنزف نفسه ويقف عاريا غير مستعد حين تأتي ساعة الحسم لتغيير الواقع…ولمن لم يفهم هذه المقارنة أقول:دعاة أخونة الدولة المصرية سواء كانوا جماعة الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة أو السلفيين وحزب النور أو غيرهم من أنصار أجندة الدولة الإسلامية أثبتوا أنهم علي قدر ملحوظ من التنظيم والقدرة علي الحشد والتكتل خاصة عندما تستدعي الحاجة الذهاب إلي صندوق الانتخاب…أولئك يمتلكون ترف تنظيم المظاهرات لأنها لا تخصم من رصيدهم السياسي ولا تعطل استعدادهم للمواجهة عند صندوق الانتخاب,أما الليبراليون ودعاة الدولة المدنية فأمامهم تحد كبير لتجميع عناصرهم-التي يؤسفني أن أقول إنها ماتزال مبعثرة-وخلق تكتل واحد يجمعهم,لذلك فهم لايملكون ترف إهدار الوقت والجهد في التظاهر ولايجب استدراجهم للعب بالأوراق الشكلية وترك الأوراق الفعلية.
ويقول قائل:وما جدوي الاستعداد لتغيير الواقع وإيقاف أخونة الدولة المصرية عن طريق صندوق الانتخاب؟…إن الانتخابات البرلمانية الماضية أظهرت اجتياحا فاق كل التوقعات للتيارات الإسلامية حتي أن نحو ثلاثة أرباع مقاعد مجلسي الشعب والشوري شغلها ممثلو هذه التيارات وصالوا وجالوا تحت القبة في مشاهد أعادت للأذهان سيطرة وسطوة الحزب الوطني الديمقراطي…وأقول:نعم اجتاح الإخوان والسلفيون الانتخابات البرلمانية الماضية,لكن-وبفضلهم أيضا-انكمشت شعبيتهم بدرجة ملحوظة نتيجة شهيتهم المسعورة للإستحواذ والسيطرة واندفاعهم غير المحسوب نحو اختطاف التشريع بعيدا عن الوسطية المصرية,الأمر الذي أقلق الكثيرين وأخاف البعض وروع البعض الآخر فيما قد يحدث لمصر,وأضيف علي ذلك الأداء المؤسف لمرشحي التيارفي انتخابات الرئاسة الذين لم يتورعوا عن اللجوء للحيل والمواربة والكذب والتزوير وحتي التهديد والإرهاب من أجل دخول سباق الرئاسة,مما أدي إلي تزايد المخاوف فكانت نتائج صندق انتخابات الرئاسة هي أبلغ دليل علي تعادل الكفة بين الإسلاميين والمدنيين…إذا من ينظر إلي الانتخابات البرلمانية المقبلة-أو حتي الاستفتاء المقبل علي الدستور- بمعيار الأغلبية البرلمانية السابقة-أو استفتاء 19مارس2011-عليه أن يراجع نفسه ويتأمل نتائج الانتخابات الرئاسية.
هناك مخزون لا بأس به وطاقة هائلة-لكن مبعثرة-لأنصار الدولة المدنية,وذلك هو التحدي التاريخي الماثل أمام المدنيين,فلايجب إهدار جهودهم في التظاهر بل مسئوليتهم تتمثل في تجميع صفوفهم نحو تكتل واحد قوي يستطيع المنافسة…ويحضرني في هذا المجال ما أعلن عنه بعد انتخابات الرئاسة من ظهورالتيار الثالث علي الساحة السياسية,وكان المقصود به أنه ليس إسلاميا ولا عسكريا بل تيار مدني يدافع عن مدنية الدولة المصرية. علي هذا التيار-الذي تحمسنا له جدا هنا فيوطني وأفردنا له بابا جديدا علي صفحاتنا-تقع مسئولية جسيمة لتجميع شتات الأحزاب والحركات والائتلافات المدنية وعليهم جميعا مهمة ثقيلة عسيرة مضنية للاتصال والتواصل مع سائر الكتل التصويتية عبر محافظات مصر ومعظمها تتواجد في كنف العائلات والعشائر والقبائل والتجمعات المؤثرة في صندوق الانتخاب…عليهم وضع خريطة واضحة يتفقون عليها جميعا تضم مرشحا واحدا للتيار الثالث عن كل دائرة يدعمه الجميع لتتوفر له فرص حقيقية للفوز.
إن تلك المهمة ليست سهلة وتتطلب الكثير من التضحيات من جميع الفصائل المشاركة في التيار الثالث…ذلك هو الأمل الوحيد الذي ينتظر أنصار الدولة المدنية إذا أرادوا تغيير الواقع الذي تظاهروا احتجاجا عليه في 24أغسطس الماضي