الدستور الجديد الجاري صياغته في الجمعية التأسيسية يتضمن تحت بابالحقوق والحريات والواجبات العامة-المادة(2) وتنص علي:المواطنون لدي القانون سواء,وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة,ولاتمييز بينهم في ذلك بسبب
الدستور الجديد الجاري صياغته في الجمعية التأسيسية يتضمن تحت بابالحقوق والحريات والواجبات العامة-المادة(2) وتنص علي:المواطنون لدي القانون سواء,وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة,ولاتمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الإعاقة…ثم تجئ المادة(8) في نفس الباب لتنص علي:حرية الاعتقاد مضمونة وتكفل الدولة حرية إقامة دور العبادة لممارسة شعائر الأديان السماوية علي النحو الذي يبينه القانون بما لا يخالف النظام العام.
هاتان المادتان لم يستحدثهما الدستور الجديد الجاري صياغته بل كانتا راسختين في دستور 1971 وتعديلاته حتي تم إسقاطه بعد ثورة25يناير…وبالرغم من ذلك كانت القوانين والتشريعات والممارسات الرسمية تضرب عرض الحائط بمضمون المادتين,فالتمييز بين المصريين بسبب الدين كان سمة واضحة في الدولة والمجتمع, كما تقاعست الدولة عن كفالة حرية إقامة دور العبادة لممارسة الشعائر الدينية للأقباط بذات المساواة والتيسير الذي كفلته للمسلمين…ولمن لايعرف حقيقة ذلك حتي الآن(!!!)أقول إن غياب المساواة في ذلك المجال لم يكن بسبب تعنت بعض المسئولين أو تعصبهم أو مخالفتهم للقانون,إنما كان مستندا إلي تشريعات وقوانين ولوائح رسمية ترسخ الفرز وعدم المساواة وتستبيح الاعتداء علي مبادئ الدستور!!
ويتعجب الكثيرون من هذا الواقع الذي تحصن عبر السنين بأدوات كريهة مثل:قرار الشروط العشرة الذي أصدره عام1934 محمد العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية,وسلطة الأجهزة الأمنية المستمدة من ذلك القرار في منع تخصيص الأراضي لبناء الكنائس وفي إيقاف تراخيص الكنائس بدعوي أنها تهدد السلام الاجتماعي وتستفز المسلمين,مرورا بسلطة رئيس الجمهورية-ومن بعده المحافظون-في الموافقة علي جميع أعمال الصيانة أو الترميم أو التدعيم أو التجديد أو التوسع التي تحتاج إليها مباني الكنائس القائمة,وأخيرا سلطة رئيس الجمهورية في الموافقة علي بناء الكنائس الجديدة بموجب قرارات جمهورية…كل تلك المستويات من التشريعات والسلطات وجدت ويمارسها المسئولون علي الكنائس-ومباني الخدمات التابعة لها-دونا عن المساجد…أما عدم تمييز الدولة بين مواطنيها بسبب الدين وكفالتها حرية إقامة دور العبادة فتلك أمور دستورية زخرفية نتباهي بها أمام دول العالم بينما نطعنها في الصميم في الحياة المعاشة…وأرجو ألا يسألني أحد لماذا لم تنتفض المحكمة الدستورية العليا طوال العقود الأربعة الماضية ذودا عن الدستور واحتجاجا علي عدم دستورية التشريعات التي أوردتها في ذلك المجال!!
الآن نعود لنقرأ المادتين(2) و(8) اللتين بدأت بهما هذا المقال ونتوجس من الميراث البغيض الذي ساد وضرب بهما عرض الحائط…هل ستوضع المادتان مرة أخري لزخرفة الدستور دون تفعيل مفاهيم حقوق المواطنة والمساواة التي أفرزتهما؟….هل خلصت النوايا الوطنية نحو القضاء نهائيا علي معاملة الأقباط كمواطنين من الدرجة الثانية موضوعين تحت وصاية الأمن والمسئولين السياسيين صعودا إلي رئيس الجمهورية نفسه؟…تلك أمور ما تزال معلقة يترقبها الأقباط بكثير من القلق,وما يغذي هذا القلق ليس ميراث الفرز والتمييز وحده,لكن شعور الأقباط بغياب الإرادة السياسية لترسيخ المساواة وعلاج ذلك الوضع المختل,وإلا ما تفسير عدم صدور القانون الموحد لبناء دور العبادة حتي الآن بالرغم من التشدق بحتمية صدوره طوال السنوات السبع الماضية منذ عام2005؟علاوة علي وعود المسئولين بسرعة إصداره كلما انفجرت أحداث طائفية…وما تفسير استمرار سريان قرارات إغلاق الكنائس وقرارات تجميد التراخيص السابق صدورها؟…ما تفسير التقاعس الأمني عن إعلاء القانون أمام سطوة التيارات المتطرفة والمتعصبة التي تحاصر الكنائس وتعتدي عليها كلما لاحت بوادر أعمال ترميم أو تجديد بها حتي وإن كانت مرخصة؟
كل تلك السلبيات الخطيرة كان الواجب التصدي لها وعلاجها حتي يصدق الأقباط أن المساواة في الحقوق والواجبات معاشة فعلا قبل وضعها في الدستور,أم أن هناك من يعتقد أنه يستقيم استمرار الفرز والتمييز حتي إذا ما تم الاستفتاء علي الدستور والموافقة عليه يتم بعده-وليس قبله-تفعيل المساواة وإنهاء التمييز؟!!!
إن ترك الواقع المريض علي حاله وانعدام الإرادة السياسية لعلاجه يخلق وضعا أكثر مرضا ويفرز حساسيات وتوجسات قد تكون غير منطقية,لكن مرارة الواقع تطلق شكوك الأقباط تجاه حتي الأمور غير المنطقية…شكوك إزاء عبارات من نوعيةمقاصد الشريعة الإسلامية…ومن نوعيةبما لا يخالف النظام العام…ومن نوعيةبما لايتعارض مع شرع الله…ويتساءلون هل هناك نوايا خفية مبيتة لوضع عبارات مانعة تصطدم بها مبادئ المساواة في الدستور فتفقد فاعليتها ويضيع مضمونها؟!!