أعود لأختم أحاديثي عن اختيارات الأبناء, وماذا نفعل عندما لا تتفق مع ما نتمناه لهم, أو عندما نراها تهدد مستقبلهم بشكل أو آخر. وأنا كأب أعرف صعوبة مثل هذا الموقف الذي يضعنا في تحد قد يجعلنا نتساءل عن مدي نجاحنا في
أعود لأختم أحاديثي عن اختيارات الأبناء, وماذا نفعل عندما لا تتفق مع ما نتمناه لهم, أو عندما نراها تهدد مستقبلهم بشكل أو آخر. وأنا كأب أعرف صعوبة مثل هذا الموقف الذي يضعنا في تحد قد يجعلنا نتساءل عن مدي نجاحنا في تربيتهم, وفي نفس الوقت نقلق من احتمالية أن نفقدهم.. مع أن خبرة من سبقونا تؤكد أن الافتراضين خطأ!
مثلما فعل الآباء, لابد لنا عند مرحلة معينة من العمر أن نبارك أبناءنا من الجيل الأصغر, قبل أن ينطلقوا في طريق مستقبلهم.. وربما يجدر بنا أن نباركهم بنفس الإيمان الذي به استطاع إبراهيم أن يكون علي استعداد أن يسلم إسحق, ابن الموعد, ليد الله وهو متيقن أن الله قادر أن يعطيه حياة جديدة إذا أخذ منه! وبالإيمان إسحق أيضا بارك ولديه فيما يتعلق بالمستقبل.. وكذلك بارك يعقوب بالإيمان ابني يوسف: منسي وأفرايم (عبرانيين11: 17- 21). تري لماذا ذكر كاتب العبرانيين أن يعقوب بارك ابني يوسف علي وجه التحديد, مع أنه قبل موته بارك بنيه الاثني عشر جميعا (تكوين 49).. تري لأنهما تربيا بحسب حضارة العالم في مصر آنذاك; فرأي يعقوب أن الإيمان وحده هو الذي يضمن اختيارهما أن يثبتا علي إيمان أبيهما وجدهما؟ ربما! إذن فالأمر يحتاج منا لإيمان يجعلنا نثق أن ما نرجوه لمستقبل أولادنا يتحقق, مع أننا قد لا نري ذلك بالعيان في الحاضر. علي أية حال إن كنا لا نستطيع أن نرضي الله إلا بالإيمان, فلابد أن يشمل إيماننا به الثقة أن يختار أبناؤنا اليوم أو غدا ما يرضي الله أيضا. لكن إيماننا هذا لابد أن يترجم عمليا في الكيفية التي نتعامل بها مع الأبناء عندما نختلف معهم في الرأي, ونفاجأ بردود أفعال غير متوقعة منهم.
بداية, أرجو ألا يكون خافيا علي أحد منا أن المواجهات العنيفة مع الأبناء عند الاختلاف معهم ستدفعهم تلقائيا لتحدي اختبار قوة إرادتهم في مواجهة السلطان الأبوي, خاصة عندما يشعرون بأن الوالدين لا يزالان يتعاملان معهم وكأنهم أطفال بعد. وفي مثل هذه الحالات تختلف ردود أفعال الأبناء بحسب طبيعة كل منهم.. فالبعض قد يتمرد علنا, ويرفض أي نصيحة يشعر أنها تحد من حرية اختياره. بينما يبدي آخرون اقتناعا ظاهريا لما نراه أفضل لهم, وهم يحبسون داخلهم بركانا من الرفض, الذي قد يتحول إلي شعور بالمرارة قد يبقي معهم طويلا إذا لم يتم التعامل معه في أسرع وقت.
عندما كتب الرسول بولس لأهل رومية ليوصيهم: سالموا جميع الناس## لم يستثن الذين نعيش معهم تحت سقف واحد! وقد مهد الرسول الطريق لصنع السلام بتوضيح عملي وحكيم عندما قال: إن كان ممكنا فحسب طاقتكم… (رومية 12: 18).. المعني هنا إذا كان صنع السلام يعتمد عليك فابذل قصاري جهدك لكي تحققه.. اختر الوقت المناسب للحوار, وبطول أناة أصغ; فالغضب يحرمك من فرصة أن يدرك ابنك أو ابنتك أن ما تريده هو لخيره. كما أن الانفعال يفقد العلاقة الأبوية دفئها, ويشكك في مصداقيتها. أما ما يساعدنا علي الاحتفاظ بهدوئنا هو اقتناعنا بأن دوافع الأبناء عادة ما تكون نقية وصادقة في مجملها, حتي وإن بدت اختياراتهم سيئة.
أعتقد أننا لسنا بحاجة للتأكيد علي أن الحوار لا يعني إملاء الآراء بالمواعظ, والإصرار علي أن يستمع الأبناء لكل ما نقول, وعندما يأتي دورهم في الحديث نصم آذاننا عما يقولون! لقد تعلمت بالصعب والسهل في حواري مع ابني أن أترك جانبا الأمور الأقل أهمية عندما يدور نقاشنا حول اختيارات مصيرية في الحياة. في عالم البزنس نصحنا بألا نحاول أن نصطاد أرنبين بطلقة واحدة; وإلا سنفقدهما معا! الحوار الحكيم هو الذي يبدأ بإثارة أسئلة تساعد الأبناء علي التفكير التحليلي في الأسباب وراء اختلافهم معنا في الرأي.. فأبناء اليوم, بخلاف ما نشأنا عليه في الماضي تعليميا واجتماعيا, لا يقبلون الحقائق المجردة قبل أن يحللوا الأسباب منطقيا, ويمتحنوها من خلال معرفتهم.. وعندئذ فقط يستطيعون أن يوازنوا بين الاختيارات, ويصلوا إلي النتائج بأنفسهم. أليس هذا ما سعينا إليه كآباء عندما اخترنا لهم أفضل مدرسة وأرقي تعليم؟ فهل نناقض أنفسنا إذن برفض أسلوبهم المعاصر في التفكير والحوار؟
أخيرا, الصبر والمغفرة مع صعوبتهما لا يوجد بديل لهما إذا أردنا أن نربح أبناء يسلكون في مخافة الله.. فبقدر ما أن الأمر والنهي, أو التوسل بهدف التأثير علي الأبناء, كلها أساليب لا تجدي نفعا في حواراتنا معهم فإن المحبة والقبول والمغفرة تضمن تأثيرات بعيدة المدي عليهم, حتي وإن لم تأت بثمارها في الحال. فلا تدع عدم صبرك يقودك للخصام معهم, أو تجنبهم! عندما جاء الله إلي آدم بعد السقوط وسأله: أين أنت؟ كان الله يعرف أنه قد أخطأ بعدم طاعته هو وحواء للوصية, ولم يكن محتاجا أن يعرف أين يوجد آدم جغرافيا, لكنه كان يقصد بسؤاله: أين أنت مني يا آدم؟ وفي الأغلب كان الله ينتظر آدم وحواء أن يعترفا بخطئهما, ويندما علي معصيتهما, لكنهما لم يفعلا! وبالرغم من ذلك بين (الله) محبته (لهما) لنا, لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا) (رومية 5: 28). كذلك علي مثال الله الآب, عندما رأي الأب ابنه من بعيد ركض ليستقبله, ولم يتردد لحظة أن يتجاوب مع بادرة الأمل أن عودته هذه تعبر عن تراجعه عما اختاره لنفسه في عناد عندما ترك البيت.. فركض للقائه في منتصف الطريق ليؤكد أنه لا يزال يحبه.
المحبة تحتمل كل شيء, وتصدق كل شيء, وترجو كل شيء.. المحبة لا تسقط أبدا… أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة, هذه الثلاثة لكن أعظمهن المحبة. (1كو 13: 8أ, 13).. فليكن لنا إيمان يجدد فينا الرجاء لمستقبل نتمناه لأبنائنا, ولننتظر أن تثمر محبتنا في حياتهم فيثبتون في الحق.. إن الثمرة لا تسقط بعيدا عن الشجرة!
www.FocusOnTheFamily.ME