قبل أن أخوض في تشريح المسكوت عنه في ملف سيناء الذي انفجر في رفح علي يد المجموعة الإرهابية التي باغتت الدورية الحدودية المصرية-بهجومها الإجرامي- ولأن ما سأتولي تشريحه سيكون موجعا-دعوني أسجل ارتياحي
قبل أن أخوض في تشريح المسكوت عنه في ملف سيناء الذي انفجر في رفح علي يد المجموعة الإرهابية التي باغتت الدورية الحدودية المصرية-بهجومها الإجرامي- ولأن ما سأتولي تشريحه سيكون موجعا-دعوني أسجل ارتياحي لما تقوم به قواتنا المسلحة والشرطة العسكرية وقوات الأمن من عمليات تعقب المجرمين وتصفية فلول الإرهاب في سيناء والقضاء علي سرطان الأنفاق المنتشرة علي طول الشريط الحدودي بين سيناء وقطاع غزة…ارتياحي ليس منصبا علي أن ما تفعله القوات المصرية جاء في التوقيت المناسب أو بمبادرة منها-فهذا أمر موجع في حد ذاته-إنما لأن ماتفعله تلك القوات جاء ليمتص قدرا هائلا من الغضب والغليان الشعبي الذي اجتاح الشارع المصري في أعقاب مذبحة رفح لما انطوت عليه من جرح للكرامة المصرية وإهانة لسيادة الدولة وقواتها المسلحة…ولعل الإعصار الأول لذلك الغليان هو ما تبدي في الجنازة العسكرية-التي أقيمت لتشييع جثامين الشهداء المصريين الذين راحوا ضحية هجمة الغدر والإرهاب في رفح.
يؤسفي أن أقول إن جميع مستويات السلطة في مصر-سياسية كانت أو رئاسية أو عسكرية أو أمنية أو حتي اقتصادية اجتماعية-لايجب أن تلوم إلا نفسها علي ماحدث في رفح…ودعونا من نظريات المؤامرة الفجة التي تدعو للغثيان والتي ينشرها البعض لتبرير ماحدث أو لالتماس الأعذار للتقصير المخل في التعامل معه,في حدث فما رفح هو نتاج غير مفاجئ لتوحش المارد الإرهابي الإجرامي في سيناء والسكوت عنه طوال سنوات تمتد إلي أكثر من عمر ثورة25يناير وتضرب بجذورها الكئيبة في أعماق عقود ثلاثة ماضية,فما بين إهمال سيناء وما يحدث فيها علي جميع المستويات,وبين ادعاء المفاجأة غير المتوقعة فيما حدث في رفح,هناك الكثير من الأمور المضحكة المبكية التي تستدعي عملطاسة الخضةللسلطات المصرية!!.
00لم تخل الأجواء من تحذيرات واضحة أن هناك عملا إرهابيا وشيك الوقوع,لكن تم الاستخفاف بها,فها هو المحافظ يتهم تحذير إسرائيل لرعاياها من الذهاب إلي سيناء في هذا الوقت علاوة علي طلبها من رعاياها الموجودين في سيناء بالعودة بأنه مجرد محاولة من إسرائيل لإجهاض الانتعاش السياحي العائد لسيناء ضمن مؤامراتها المستمرة علي مصر.
00أيضا من الأمور المضحكة المبكية أن ينشر منسوبا للواء مراد موافي مدير المخابرات المصرية-الذي تم تغييره عقب أحداث رفح-أن المخابرات كانت لديها تقارير تشير إلي احتمال وقوع عمل إرهابي,لكن تلك التقارير لم تحدد أين أو متي يحدث ذلك(!!!)….ألا ينطوي هذا التصريح علي كارثة تدعو للرثاء؟هل ينتظر مدير المخابرات المصرية أن يتم إخطاره بمكان وميعاد العمل الإرهابي حتي يأخذ التقارير التي تتحدث عنه مأخذ الجد؟!!…إن ما نسمع عنه في مثل هذه الحالات أن يتم التعامل مع أي قدر متاح من المعلومات-وعادة ما تكون قليلة وغامضة وأحيانا مضللة بقصد التمويه-برفع درجات الاستعداد والاستنفار والترقب بين جميع القوات المعنية في كل المواقع المتصلة بالتقارير من بعيد أو قريب.
00عيب جدا ومهين للعقلية المصرية وجارح للكرامة المصرية أن تتحدث التصريحات الرسمية عن أن القوة الحدودية التي هاجمها الإرهابيون في رفح بوغتت بالهجوم بينما كان أفرادها كلهم -يا للمصيبة!!-يتناولون طعام الإفطار بعد انطلاق المدفع…وعندما تبين من أطلقوا ذلك التصريح أنهم ارتكبوا فضيحة حاولوا تجميل التصريح بأن قالوا إن أفراد المجموعة كانوا يصلون صلاة المغرب قبل الإفطار!!…لكن للأسف أنهم لا يدرون حجم المصيبة الكامنة في أي من التصريحين,فهل يترك جميع أفراد مجموعة حدودية يتولون مهمة تأمين نقطة حدودية مصرية مواقعهم ومعداتهم ويتخلون عن واجبهم من أجل أن يجتمعوا علي الصلاة أو الإفطار!!…أليس هذا إخلالا جسيما بالواجب في الظروف العادية؟…فما بالنا نسمح بذلك ونسكت عليه-بديل أننا نصرح به دون خجل-في ظروف تستدعي رفع درجات الترقب والاستعداد والاستنفار.وأرجو في هذا السياق ألا أجرح مشاعر أحد إذا قالت إن آخر مرة سمعت فيها عن قمة الاستعداد القتالي والتجهيز البدني والنفسي لأداء الواجب كانت ضمن سائر الاحتفالات التي جرت لتخريج الدفعات من الكليات العسكرية!!
00هل قدر مصر أن تتحرك بعد فوات الأوان؟!!…لماذا لايتم التعامل مع المشاكل في مهدها وقبل أن تستفحل؟!!…الآن والآن فقط بعد المصيبة وبعد الفضيحة التي طالت الكرامة المصرية وفجرت بركان الغضب الشعبي تتحرك القوات لتعقب فلول الإرهاب بعد أن ترك ليتوحش طوال مايقرب من عامين…ألم تكفنا الإنذارات المتتالية التي انطوي عليها مسلسل تفجير خطوط الغاز ومحطات ضخ الغاز في سيناء؟…ألم نع مدلولات مظاهرات جماعات التكفير رافعة الأعلام السوداء والمطالبة بانفصال سيناء لتأسيس إمارة إسلامية فيها؟…ألم ينم إلي علمنا أن هناك شيطانا رهيبا سرطانيا يتغلغل في تراب مصر اسمه أنفاق التهريب يهدد السيادة المصرية وكان من الواجب استئصاله في مهده منذ ما يقرب من عشر سنوات؟…بدلا من ردم وإزالة بضع عشرات من أنفاق الشر هذه وقت ظهورها,الآن يقع علي عاتق القوات المصرية وسلاح المهندسين وضع خطة للقضاء علي مايتجاوز الألف ومائتي نفق,وإذا نجحوا في ذلك أرجو ألا يدعوا أنهم فوجئوا بأي رد فعل إجرامي من جانب رعاة هذه الأنفاق قد يحدث مستقبلا,لأنهم يجب أن يعوا أنهم تأخروا جدا في ذلك حتي باتت تلك الأنفاق ركنا أساسيا في اقتصاد غزة ومجالا رهيبا للاستثمارات فيها وشريانا حيويا أصبح لاغني عنه لكل أشكال التجارة والتهريب الشرعية وغير الشرعية…فكيف نتوقع أن يبتلع مئات الآلاف المستفيدون منها عملية إزالتها؟
00يبدو أننا سنعيش ونموت ونحن نسمع من المسئولين السياسيين ومن الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين عن خطط التصحيح والإصلاح الواجب انتهاجها في سيناء لدمج وإشراك أهلها في مشروعات التنمية ورفع الغبن الذي حاق بهم سنين طويلة…هذا الخطاب ما نلبث أن نسمعه في أعقاب كل كارثة…هل يمكن أن يري أولادنا تحقيقه؟…أم سينتظر حتي يراه أحفادنا؟!!