في الأغلب الأعم, كان يتم الاحتفال بإنجازات ##الربيع العربي## من خلال سرد أسماء الزعماء الأوتوقراطيين الذين أطيح بهم. بيد أن الحكم علي الثورات سيتم, في نهاية المطاف, بناء علي ما نجحت في بنائه,
في الأغلب الأعم, كان يتم الاحتفال بإنجازات ##الربيع العربي## من خلال سرد أسماء الزعماء الأوتوقراطيين الذين أطيح بهم. بيد أن الحكم علي الثورات سيتم, في نهاية المطاف, بناء علي ما نجحت في بنائه, وليس علي ما قامت بتقويضه.
لقد صفقت أمريكا طويلا للمظاهرات في ميدان التحرير بمصر, وبعد أن لامت نفسها علي شراكتها التي طالت أكثر مما ينبغي مع رئيسها غير الديموقراطي حسني مبارك, طالبته بالتنحي. ولكن, وكما أثبتت الأحداث فيما بعد, لم يكن المتظاهرون المبتهجون هم من ورثوا نظامه, وإنما الإسلاميون الذين يخلو سجلهم من القناعة الديموقراطية, ولهم تاريخ من العداء مع الغرب, وذلك عندما تم انتخاب واحد منهم لمنصب الرئاسة التي تعهدوا أصلا بأنهم لن يسعوا إليها. والقوة التي تناوئ قوة الإسلاميين في مصر في الوقت الراهن هي قوة القادة العسكريين الذين ساندوا الحكم السابق. أما العنصر العلماني الديموقراطي فقد تعرض للتهميش.
إلي أين يقودنا هذا؟ علي رغم كل ما يقال ويتردد في هذا الشأن, فإن تقرير شكل البنية الداخلية المصرية لم يكن في أي وقت من الأوقات شأنا أمريكيا. ولكن هذا لا يحول دون القول إن مصر وحكومتها كانتا دوما حقيقة من حقائق الحياة الدولية, وإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة من الحزبين رأت في سياق الحرب الباردة وما كانت تحمله في طياتها من أسباب لاضطرابات محتملة في المنطقة, أنه من المحتم العمل مع دولة عربية كبري مثل مصر لديها الاستعداد لتحمل المخاطر من أجل تحقيق السلام الإقليمي.
والوضع الراهن في مصر هو أن الدستور الذي ينظم وظائف المؤسسات الرسمية وعلاقاتها لم تتم صياغته حتي الآن, وهو ما يجعل الكتلة الناخبة في مصر منقسمة بين التصورات المختلفة لمستقبل بلادها. وعلاوة علي ذلك لا يمكن القول إن الثورة قد انتهت بعد, وهو ما يخلق وضعا شائكا أمام السياسة الأمريكية التي تجد نفسها هي الأخري ممزقة أمام حتميات متصارعة مع بعضها بعضا.
فإذا ما كانت الولايات المتحدة قد أخطأت في زمن الحرب الباردة عندما ركزت أكثر مما ينبغي علي العنصر الأمني, فإنها الآن تتعرض لخطر الخلط بين الشعبوية الطائفية, وبين الديموقراطية.
وفي وسط هذه الهزات, كان من الطبيعي أن يشتعل مجددا الجدل المحتدم حول محددات السياسة الخارجية الأمريكية وتحديد ملامحها. وفي هذا الإطار نجد أن الواقعيين يحكمون علي الأحداث من منظور الاستراتيجية الأمنية, أما المثاليون فينظرون إليها باعتبارها فرصة للترويج.
وهنا يتعين علينا أن نواجه الأسئلة التالية: هل نحن ننأي بأنفسنا عن التفاعلات الداخلية, أم نحاول صياغتها؟ هل نساند واحدا من المتنافسين الرئيسيين (الإخوان والمجلس العسكري), أم نركز علي الدفاع عن الإجراءات الديموقراطية (حتي لو لم تجئ بما يسرنا)؟ هل يمكن لالتزامنا بالديموقراطية أن يتجنب قيادتنا إلي نوع من الإطلاقية المذهبية القائمة علي الانتخابات المدارة, وعلي حكم الحزب؟
ففي مصر يمكن أن يؤدي وقوفنا إلي جانب المجلس العسكري المكون في معظمه من شركاء مبارك إلي إهانة الحس الديموقراطي في البلاد. كما أن قيامنا من جانب آخر بافتراض وجود قيم مشتركة بيننا وبين حزب إسلامي صريح ظل لأجيال مديدة يدعو لاتباع نهج مناوئ للغرب في المنطقة بأسرها, يعتبر -إلي حد كبير- تغليبا للوهم علي التجربة الواقعية.
يجب أن نكون منفتحين علي بادرات الاعتدال الأصيل في المواقف المعبر عنها من قبل خصومنا الأيديولوجيين, ولكن علينا أيضا في ذات الوقت أن نؤكد علي مصالحنا. وفي مثل هذا الظروف الدقيقة يجب علي السياسة الأمريكية أن تختار مسارها بدقة من دون أن تخدع نفسها بوهم أن اللاعبين الكبار يجلسون في انتظار تعليماتها.
ومنذ أن بدأت الانتفاضات العربية التي أدت إلي الإطاحة بأربع حكومات وتعرض عدد آخر لاختبارات جدية لم تتمكن تلك الدراما المتوالية فصولا من الإجابة علي بعض الأسئلة المتعلقة بالاتجاه الذي يتعين عليها اتباعه مثل: هل لدينا رؤية واضحة بشأن ماهية المعادلات التي تخدم مصالحنا العالمية؟ وهل لدينا القدرة والوسائل اللازمة لتحقيقها؟ وكيف يمكننا معالجة المساعدة الاقتصادية التي نقدمها والتي يمكن أن تكون هي الوسيلة المثلي, إن لم تكن الوحيدة, للتأثير علي التطور؟
ليس هناك من إجابة علي هذه الأسئلة وغيرها سوي القول إن المثالية والواقعية في الشرق الأوسط -اللتين اعتدنا حتي الآن علي التعامل معهما علي أنهما أمران متناقضان- يجب أن يتم التوفيق بينهما الآن, ومن دون إبطاء.
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
نيويورك تايمز