##لا يقتصر تهديد التدهور الأمني في شبه جزيرة سيناء علي قوات حفظ السلام المتمركزة هناك بل يمتد أيضا إلي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.##
##لا يقتصر تهديد التدهور الأمني في شبه جزيرة سيناء علي قوات حفظ السلام المتمركزة هناك بل يمتد أيضا إلي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.##
منذ عام 1982 والقوة المتعددة الجنسيات والمراقبون يراقبون الالتزام بالترتيبات الأمنية الواردة في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في سيناء. لكن بعد مرور ثلاث عقود وسقوط نظام مبارك والمكاسب الانتخابية التي حصدها الإخوان المسلمون إلي جانب الفراغ الأمني في سيناء والسياسات الشعبوية في القاهرة وضعت المعاهدة والقوة المتعددة الجنسيات والمراقبون تحت ضغط لم يسبق له مثيل. ورغم أنه من السابق لأوانه الحديث عن إلغاء معاهدة السلام أو مهمة المراقبين إلا أن تغير الوضع الراهن في مصر والتهديدات الأمنية المتزايدة في سيناء قد زادت من تعقيد مهمة القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون بشكل كبير, وهو ما يمكن أن يترتب عليه في النهاية ضعف الالتزام الدولي تجاه قوة حفظ السلام.
الخلفية
نشأت فكرة القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون في المقام الأول داخل أروقة الأمم المتحدة عقب اتفاقيات كامب ديفيد عام .1979 فبعد أن استخدمت الصين وروسيا حق النقض ##الفيتو## للاعتراض علي المهمة في مجلس الأمن, اتفقت واشنطن ومصر وإسرائيل علي تشكيل القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون خارج إطار الأمم المتحدة, وذلك بتحديد إدارة القوة وتمويلها بمعرفتهم الخاصة. وبموجب الملحق 1 من المادة الثانية من المعاهدة فقد أسند إلي القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون مهمة مراقبة ##المنطقة ج## التي تعادل تقريبا ربع مساحة سيناء وتمتد علي طول الحدود مع إسرائيل.
وتتشكل القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون التابعون لها حاليا من 1656 فردا عسكريا ينتمون إلي اثنتي عشرة دولة في المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح إلي جانب 17 مسئولا مدنيا في الجزء المتبقي من شبه جزيرة سيناء. وبالإضافة إلي العمليات البرية فإن القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون يقومون بدوريات استطلاع جوية فوق سيناء للتحقق من أن نشر القوات المصرية يتفق مع التزامات مصر. وتساهم الولايات المتحدة بما يقرب من 700 فردا في القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون موزعين علي ##فريق عمل كتيبة المشاة## ووحدة الدعم اللوجستي (التي تقوم بتوفير الطائرات والقيام بعمليات جوية) وعلي غيرها من الأطقم العاملة. وبالنسبة للميزانية, تتولي إسرائيل ومصر وواشنطن تمويل القوة بالتساوي, حيث ساهمت كل منها بمبلغ 25 مليون دولار في عام 2011 مدعومة بمنح تقل عن ذلك بكثير من الدول الأخري (كان قد بلغ مجموعها أقل من 4 ملايين دولار في العام الماضي). وفي عامي 2005 و2007 تم تمديد تفويض القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون لضمان مطابقة التواجد المصري المعزز علي طول الحدود مع غزة مع المعاهدة.
استهداف القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون
علي الرغم من أن القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون لم يتعرضوا لمستوي اعتداء مماثل لما شهدته منظمات حفظ سلام ومراقبة أخري كـ ##قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان## (##اليونيفيل##) إلا أن توجهات المشهد في سيناء لا تبعث علي التفاؤل. لقد كانت الهجمات الماضية نادرة الحدوث – في عام 2005 هاجم أحد البدو مركبة تابعة لـ القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون مستخدما عبوة ناسفة, وبعد مرور عام تم استهداف مركبة أخري في هجوم انتحاري. وباستثناء هذين الحادثين فقد كانت القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون قادرين علي العمل في ظل درجة نسبية من الأمن حتي الآن. وفي الوقت الذي تدهور فيه الأمن بعد مبارك أصبحت سيناء تشكل خطرا متزايدا, حيث أن السلطات المصرية غير قادرة أو غير راغبة في حماية خطوط الغاز أو حماية الحدود مع غزة أو منع التسلل من الخارج.
وفي خضم هذا الفراغ الأمني يبدو أن تنظيم إسلامي متشدد علي غرار تنظيم القاعدة قد بدأ يترسخ في شبه الجزيرة. ففي أغسطس 2011 أعلنت منظمة غير معروفة حتي الآن تدعي تنظيم القاعدة في شبه جزيرة سيناء عن مسئوليتها عن مهاجمة مركز شرطة العريش. وبعد أربعة أشهر أعلنت جماعة أخري مقرها سيناء تسمي ##أنصار الجهاد## مبايعتها لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
وفي نفس الوقت يرتع رجال القبائل البدوية تحت قيود لا تذكر في ظل غياب السلطة القوية للدولة. ففي شهر مارس, حاصرت مجموعة مسلحة من رجال القبائل معسكر القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون في الجورة لثمانية أيام مطالبين بالإفراج عن سجين بدوي تم حبسه في تفجيرات طابا عام 2004 وشرم الشيخ عام .2005 وفي الشهر الماضي اعترضت مجموعة من البدو طريق مركبة تابعة لـ القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون بين نقطتي تفتيش. وبالرغم من عدم إنزال أي فرد من المركبة إلا أنه كانت هناك احتمالات بتصاعد الموقف. وفي الواقع أنه بعد وقوع الحادث نشرت صحيفة ##المصري اليوم## المصرية اليومية أنباء عن اختطاف بدوي لعشرة من أفراد قوات حفظ السلام التابعة لـ القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون لكن تم إفراجه في وقت لاحق.
كما أن سيناء هي أيضا في طريقها لتصبح نقطة انطلاق مغرية علي نحو متزايد للإرهابيين لمهاجمة إسرائيل. ففي أغسطس 2011 قامت ##لجان المقاومة الشعبية## – وهي منظمة إرهابية فلسطينية تعمل مع كل من حماس و ##جيش الإسلام## المنتسب لـ تنظيم القاعدة – بشن حملة عبر الحدود من مصر أسفرت عن مقتل ثمانية إسرائيليين من بينهم جنديين. كما أن المقاتلين الفلسطينيين يقومون الآن بنصب الصواريخ بشكل مسبق في سيناء. وهذه المجموعات لم تستهدف بعد أفراد القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون ولكنها قد تفعل ذلك في المستقبل.
تراجع التأييد المصري للمعاهدة
يتحكم الإسلاميون الآن في حوالي 75% من البرلمان المصري موزعة علي الإخوان المسلمين والجماعات السلفية المحافظة المتشددة. وبناء علي ما تسفر عنه انتخابات الإعادة الرئاسية في وقت لاحق من هذا الشهر فقد يتسني لهم كذلك وفي وقت قريب التحكم في الفرع التنفيذي. ولم يصرح الإخوان أبدا أنهم سيلغون المعاهدة مع إسرائيل لكن قيادات الجماعة تتجه إلي إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية علي أقل تقدير. وما يعنيه ما تقدم بالضبط حيال القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون غير واضح. وإذا أتيحت للإسلاميين الفرصة فيكاد يكون من المؤكد إنهم سيرفعون القيود عن دخول الفلسطينيين إلي مصر عن طريق غزة وهذا ما قد يجعل سيناء أكثر خطورة.
خطر الاستنزاف
في ضوء هذه العوامل, سوف تواجه القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون تحديات كبيرة في الأشهر والسنوات القادمة. ومن المؤكد أن أي من الأثنتي عشرة دولة المشاركة في القوة لم تهدد بالانسحاب. ففي 2011 أشارت التقارير إلي أن وزارة الدفاع الأمريكية قد اتصلت مع إسرائيل ومصر بشأن خفض عدد القوات التي تلتزم بها الولايات المتحدة ولكن لم يحدث أي تقدم يذكر حيال هذا الاقتراح. واليوم ومع صعود الإسلاميين واحتمال حدوث تدهور حاد في العلاقات المصرية الإسرائيلية فإن تقليل التواجد الدولي في سيناء الذي هو قليل بالفعل لن يجد من يتحمس له.
كذلك فإن حالة عدم الاستقرار الأمني في شبه جزيرة سيناء سوف تجعل من الصعب علي نحو متزايد لـ القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون أن ينجزوا أعمالهم علي أرض الواقع; وقد جددت القوة مركباتها في السنوات الأخيرة والكثير منها مدرع إما كليا أو جزئيا. وبسبب تزايد مخاوف الاختطاف فقد تم إلغاء الكثير من الدوريات, كما تحدثت التقارير عن خفض عدد طلعات الاستطلاع الجوية نظرا للتخوف من قيام الإرهابيين أو غيرهم من الجهات الفاعلة باستخدام ##نظم الدفاع الجوي المحمولة## وإذا استمر الموقف في التدهور فقد تخفض القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون من دورياتها بشكل أكبر, مثلما حدث مع ##قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان##. وعلي الرغم من أن القوة لم تعان من القتلي في الأشهر الأخيرة إلا أن التزام المانحين سوف يضعف إذا بدأت أعداد الضحايا من القوات تتزايد. ومع مرور الوقت سوف يصعب الدفاع عن مهمة القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون, هكذا بكل بساطة إلا إذا تحسنت الأوضاع الأمنية في سيناء – أو إذا تم تغيير قواعد الاشتباك, وهو ما يبدو مستبعدا.
أما بالنسبة لواشنطن فينبغي أن يكون الضغط المتزايد علي القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون مدعاة للقلق. وحتي الآن أثبتت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية متانتها بشكل ملحوظ, ولكن الفوضي الحاصلة في سيناء وإلي جانبها حكومة مصرية قادمة قد تبدي صراحة معاداتها للاتفاقية لا ينبئان بالاستقرار. وللحفاظ علي كل من القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون والمعاهدة ينبغي علي إدارة أوباما التعاطي مع مصر وإسرائيل حول آليات لتحسين الجهود الأمنية في ##المنطقة ج## لتشمل نشر قوات مصرية إضافية من حرس الحدود وقوات عسكرية أخري في تلك المنطقة. أما إذا استمرت أعمال العنف كما هي عليه فقد يحتاج الشركاء إلي إعادة تعريف قواعد الاشتباك لـ القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون لتعكس بشكل أفضل البيئة العدائية المتزايدة التي تعمل فيها. وفي غياب هذه التعديلات فقد يعيق المسار الحالي عمليات حفظ السلام في سيناء بحيث تصبح في وضع لا يمكن تحمله – مما يمثل صفعة أخري لاتفاقية متصدعة بالفعل.
معهد واشنطن