عودة مرة أخري إلي الدستور الجاري طهيه في الجمعية التأسيسية والذي يعد في نظر الكافة التحدي الأكبر في مسار التحول الديموقراطي لمصر…صحيح أن الأحداث تسحبنا بعيدا عنه بين الحين والآخر-مثل أداء رئيس الجمهورية,
عودة مرة أخري إلي الدستور الجاري طهيه في الجمعية التأسيسية والذي يعد في نظر الكافة التحدي الأكبر في مسار التحول الديموقراطي لمصر…صحيح أن الأحداث تسحبنا بعيدا عنه بين الحين والآخر-مثل أداء رئيس الجمهورية,وملفات المائة يوم,وتشكيلات مؤسسة الرئاسة,والوزارة الجديدة,والانفلات الأمني الكارثي-إلا أن كل ذلك لايجب أن ينسينا المعركة الأساسية لكتابة الدستور,حتي لانستيقظ بعد أن تستقر الأوضاع لنجد مصر وقد غادرت القرن الواحد والعشرين عائدة إلي القرون الوسطي لإحياء دولة الخلافة كما يطالب -بكل جرأة-السلفيون والإسلاميون!!.
هذا يدفعنا إلي المتابعة اليقظة الدقيقة لكل مايحدث من جدل حول هوية مصر في الدستور الجديد خاصة مايرتبط بالمواد الأولي والثانية والثالثة…وغيرها,وفي هذا الإطار,وبالتوازي مع مايجري في الجمعية التأسيسية من مناقشات,هناك من الجهود الوطنية التي تبذل لبلورة رؤي محددة واضحة حول هوية مصر وكيف تتم صياغة هذه المواد الجوهرية -التي ستحكم مسار مصر الدستوري والتشريعي لأجيال قادمة…وقد استرعي انتباهي الكتيب الذي نشرتهالمجموعة المتحدة بعنواننصوص دستورية مقترحة-المادتان(1),(2) من الدستور الجديد والذي قدم له الباحث والناشط السياسي الأستاذ نجاد البرعي,وهذا الكتيب هو ثمرة مائدة مستديرة ضمت نخبة من المفكرين والساسة والمهمومين بأمر هذا الوطن حيث أفرزت مناقشاتهم آراء قيمة في اتجاه تحديد هوية مصر الثقافية والجغرافية والدينية وكيفية ترسيخ ذلك في الدستور,كما سلطت الضوء علي أكثر من مجال يتم فيه إقصاء بعض المصريين وحذرت من مغبة ذلك.أيضا حرص هذا الكتيب عن نشروثيقة الأزهرالتي صدرت في يونية2011 كبيان من الأزهر ونخبة من المثقفين حول مستقبل مصر-كتوثيق لهذه الوثيقة التنويرية-والتي كنا قد سمعنا أنها معوثيقة التحالف الديموقراطي من أجل مصر موضوعتان علي مائدة كتابة الدستور…فما بالنا نري محاولة تلو الأخري للتنكر لمحتواهما؟!!..تعالوا معي في قراءة لأهم ملامح هذا الكتيب:
00تنص المادة الأولي من الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة-نقلا عن دستور1971 علي أن:جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديموقراطي يقوم علي أساس المواطنة,والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة,وتنص المادة الثانية من ذات الإعلان علي أن:الإسلام دين الدولة,واللغة العربية لغتها الرسمية,ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
00بعد ثورة 25يناير وإطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية,والإفراج عن المعتقلين من التيارات الدينية,والسماح لجماعة الإخوان المسلمين بالعمل السياسي الحر الواسع,ارتفعت نبرة الحديث حول أسلمة الدولة المصرية بشكل تشريعي مما أدي إلي تفاقم مخاوف الأقليات الدينية والعرقية التي يتكون منها المجتمع وتساؤلها حول هوية الدولة التي يعيشون فيها وهل هي دولة لكل مواطنيها أم هي دولة المسلمين منهم فقط.وقد ساعد علي تأجيج تلك المخاوف ما قام به المجلس الأعلي للقوات المسلحة من إسناد مهمة التعديلات الدستورية وبعض القوانين المكملة للدستور إلي لجنة ظاهرها الكفاءة العلمية وباطنها الانحيازات السياسية والفكرية ذات المرجعية الدينية الواضحة لرئيسها وبعض أعضائها,الأمر الذي أثار كثيرا من الهواجس وعدم الاطمئنان حول المستقبل السياسي الذي يريدون رسمه لمصر.
00الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في19مارس2011 والذي كان من المفترض أن يكون ذا طبيعة سياسية وقانونية,كشف عن أن هناك من يريدون صراحة ودون مواربة إعادة تشكيل المستقبل السياسي لمصر ليكون صورة مطابقة لأنظمة مجاورة تتخذ شكل الإمارة الإسلامية أكثر من شكل الدولة الحديثة,فقد غلبت الروح المتحكمة في الاستفتاء علي حشد المرجعية الدينية وإذكاء العصبية والغيرة الإسلامية واستخدام المساجد في الدعاية وتصوير الأمر علي أنه استفتاء علي وجود الإسلام في مصر.
00طرحت المائدة المستديرة خمسة أسئلة للحوار تخص المادتين الأولي والثانية من الدستور:
-هل من الضروري النص علي أن مصر دولة عربية؟هل يستبدل النص بأن مصر دولة أفريقية أو أفروآسيوية ليكون أمر الانتماء جغرافيا وليس لغويا؟
-لماذا النص في الدستور علي أن الشعب المصري يعمل علي تحقيق الوحدة العربية الشاملة؟ هل يدخل هذا النص ضمن هوية الدولة أم أنه مجرد اتجاه سياسي لايجب أن يتضمنه الدستور؟
-هل من الأهمية بمكان أن يكون للدولة ذات الشخصية المعنوية الاعتبارية دين رسمي؟وإلي أي حد يؤدي ترسيخ ذلك إلي شعور غير المسلمين بالإقصاء؟وماهي العبارات الواجب إضافتها حتي يشعر جميع المصريين علي اختلاف دياناتهم بأنهم جزء من الدولة وليسوا خارجها؟
-هل من الملائم أن يتم وضع عبارةمقاصد الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بدلا منمبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.؟
-مامدي إمكانية إضافة عبارة إلي نص المادة الثانية تشير إلي احترام الدستور لكل الأديان والمعتقدات التي يدين بها أو يعتنقها مواطنو الدولة؟
000أترك هذه الأسئلة الخمسة للقارئ ليفكر فيها ويبلور رؤيته بشأنها قبل عرض ما أسفرت عنه المائدة المستديرة الأسبوع المقبل بإذن الله.