بعد ساعات علي وقوع الانفجار الذي أودي بحياة مسئولين أمنيين سوريين كبار في دمشق, في الثامن عشر من يوليو الجاري, خرج حسن نصر الله زعيم ##حزب الله## اللبناني ليعلن تأييده لحليفه الرئيس السوري بشار الأسد. لكن الحقيقة
بعد ساعات علي وقوع الانفجار الذي أودي بحياة مسئولين أمنيين سوريين كبار في دمشق, في الثامن عشر من يوليو الجاري, خرج حسن نصر الله زعيم ##حزب الله## اللبناني ليعلن تأييده لحليفه الرئيس السوري بشار الأسد. لكن الحقيقة أن هذا التأييد لا يخدم هذه المنظمة المسلحة, التي تعتمد اعتمادا كثيفا علي المساعدة السورية.
والمناسبة التي ألقي فيها أمين عام ##حزب الله## الكلمة التي عبر فيها عن تأييده للرئيس السوري- والتي ألقاها من ملجأه الحصين في مكان ما من لبنان- كانت هي الذكري السنوية لـ##النصر الإلهي## الذي حققه الحزب علي إسرائيل في الحرب التي خاضها ضدها عام .2006
مع ذلك, لم يكن هناك انتصار في ظهوره المتلفز- وغير المباشر- علي الناس, وهو ما يؤكد بشكل لا يدعو للبس أن ##حزب الله## قد بات, وعلي نحو متزايد, منفصلا عن نبض ##الربيع العربي##, الأمر الذي لابد أن يؤدي للتعجيل بسقوطه.
بعد حرب صيف عام 2006, نظر الكثير من اللبنانيين وغيرهم في الشرق الأوسط الكبير, إلي ##حزب الله## كمنظمة عسكرية وسياسية شرعية قوية, وهو ما ساعد الحزب منذ ذلك الحين علي تعضيد صورته, وتعزيز مركزه, والحصول علي أغلبية المناصب في الحكومة اللبنانية الائتلافية القائمة.
لكن ولاء ##حزب الله## الذي لا يتزعزع لنظام الأسد الوحشي, يضعه علي الجانب الخطأ من التاريخ, وقد يفقده ما يتمتع به من دعم في الوقت الراهن, كما سيتسبب حتما في تفاقم الانقسامات الطائفية والسياسية في لبنان. والنقاشات التي أجريتها في لبنان وفي غيره من بلدان المنطقة وفي وسائل الإعلام اللبنانية والشرق أوسطية مؤخرا, تؤكد كلها ذلك.
كما أن استطلاعات الرأي التي أجراها مركز##بيو## للبحوث, والتي نشرت نتائجها هذا الشهر, تبين أن ##حزب الله## يفقد بريقه باستمرار, وأن الآراء الإيجابية بشأن الحزب في مصر قد انخفضت علي مدار السنوات الخمس الماضية بنسبة 36%, وفي الأردن بنسبة 25%.
وفي برميل البارود المعروف بـ##لبنان##, باتت الآراء حول الحزب أكثر استقطابا من ذي قبل, حيث يعارضه 94% من الطائفة السنيـة ويؤيده 94% من الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها.
لكن أزمة الحزب تمضي لما هو أعمق من ذلك; حيث يبدو الحزب خارج نطاق الإحساس بجوهر خطاب ##الربيع العربي## ذاته, وهو ما يتبين بوضوح من خلال دعوته للحداد علي ضحايا أحداث الثامن عشر من يوليو من المسئولين السوريين الكبار, في الوقت الذي يرفض فيه الاحتجاج علي قتل آلاف السوريين علي يد نظام الأسد.
وفي الوقت الذي أنفقت فيه حركة ##حماس## رأس مال سياسي ضخم في تحويل خطابها وتحالفاتها لتتناسب مع فترة ما بعد ##الربيع العربي##, فإن رسالة ##حزب الله##, وولاءاته لم تعمل علي إنجاز مثل هذا التكيف. بل ويمكن القول إن معيارها المزدوج إزاء الثوار المطالبين بالحرية, يبين أن الحزب يمثل جزءا من النظام القديم الذي كان سائدا قبل مقدم ذلك الربيع.
تاريخيا, كانت سوريا تعمل كحلقة وصل بين إيران ولبنان, حيث كانت تسمح بتدفق الأسلحة والدعم اللوجستي لـ##حزب الله##, كما كان حضورها الكثيف ونفوذها الضخم في لبنان يضمنان أن أسلحة الحزب وأجندته ##المقاومة## لن تتعرض للتحدي من الداخل.
وفي الوقت الراهن, حيث يبدو النظام السوري وكأنه ينفجر من الداخل, وتحتدم فيه الحرب الأهلية, فإن كلا الوظيفتين تتعرضان للتهديد. ما هو أكثر من ذلك, أن سوريا ما بعد الأسد, سوف تعمل حتما علي عكس اتجاه الشراكة الحالية القائمة مع ##حزب الله##.
ويشار في هذا السياق إلي أن المعارضة السياسية في سورية, قد انتقدت دعم ##حزب الله## لنظام الأسد بعنف, وقام المحتجون بإحراق علم الحزب, واتهموا حسن نصرالله مباشرة بأن يديه ملوثتين بالدم.
وتقدم واقعة اختطاف مجموعة من الشيعة اللبنانيين في سورية, من قبل جماعة مناوئة لنظام الأسد, مثالا نموذجيا علي هذه العداوة. ففي البداية طالب المختطفون حسن نصر الله بتقديم اعتذار لهم كشرط لإطلاق سراح أسراهم, ثم قاموا في نهاية المطاف, ونتيجة لوساطات وتدخلات, بالإفراج عنهم من دون تقديم هذا الاعتذار. كما أن تغيير النظام في سورية يمكن أن يقدم مددا متجددا وقويا لأنصار ##ثورة الأرز## في لبنان عام 2005, والذين ثاروا علي وجود سورية العسكري ونفوذها في بلادهم, وهو ما سيؤدي لتقويض الوضع السياسي للحزب.
وسوف تصبح الصورة أكثر قتامة بالنسبة للحزب, إذا ما تبين أنه قد تورط, بالمشاركة مع إيران, في التفجير الانتحاري الذي استهدف حافلة تقل سياحا إسرائيليين في بلغاريا.
وعلي الرغم من أن حسن نصرالله قد أنكر أي دور لمنظمته في الحادث, إلا أن الأدلة المتوفرة تشير إلي احتمال تورطه. وإذا ما كان الأمر كذلك, فإن قرار المنظمة بإظهار قوتها من خلال مهاجمة أهداف إسرائيلية رخوة, بعد أن فشلت علي نحو متكرر بضرب أهداف ##رسمية##, مثل السفارات الإسرائيلية علي سبيل المثال, يمثل دليلا علي تراجع قوتها.
ونظرا لما تقدم, يجد ##حزب الله## نفسه حاليا في وضع أضعف علي نحو متزايد, سواء من الناحية الأيديولوجية أو السياسية أو الاستراتيجية.
ومع دخول نظام الأسد لمرحلة جديدة من العنف الدموي الأكثر شراسة, ومن عدم الاستقرار, فإن منظمة حسن نصرالله تواجه تحديا بالغ الصعوبة, لأنها إن لم تقم بتغيير مسارها الحالي, فإنها سوف تصبح عرضة للمزيد من التهميش في كافة المجالات.
محلل سياسي شارك في إعداد كتاب حماس وحزب الله… دراسة مقارنة
كريستيان ساينس مونيتور