بعد الخروج من مغامرة إعادة مجلس الشعب إلي الحياة وتحدي شرعية القانون, يعود المصريون لمتابعة وترقب أعمال الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور-هذا إلي حين الإعلان عن تشكيل إدارة رئاسة الجمهورية والوزارة المقبلة-
بعد الخروج من مغامرة إعادة مجلس الشعب إلي الحياة وتحدي شرعية القانون, يعود المصريون لمتابعة وترقب أعمال الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور-هذا إلي حين الإعلان عن تشكيل إدارة رئاسة الجمهورية والوزارة المقبلة-ويتابع المصريون مشروع الدستور بينما تتقاذفهم التكهنات والهواجس حول ما ستسفر عنه الدعاوي المنظورة أمام القضاء لإسقاط شرعية الجمعية التأسيسية الثانية…ويبرز التساؤل:في حالة الحكم بعدم شرعية تلك الجمعية هل تسقط إنجازاتها في بحث وصياغة المواد التي أنجزتها من مشروع الدستور أم تبقي سارية لتتسلمها وتكمل عليهاالجمعية الثالثة؟!!
وسط كل ذلك أواصل قراءة كل ما يصل إلي يدي من وثائق دستورية ودراسات لأتحصن برؤية واقعية حول هذا المسار التاريخي المهم في إعادة رسم ملامح مصر الجديدة,ومن بين هذه الاجتهادات الجادة دراسة بعنوانالدستور…الحالة المصرية يقدمها الدكتور عماد الفقي وصادرة عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان,والدراسة تبحث في التعريف بالدستور وإجراءات وضعه وطرق صياغة مواده والأبواب والأحكام الواجب أن يشتمل عليها,بالإضافة إلي وضع السلطة القضائية ووضع المحكمة الدستورية العليا فيه.
ومن الأمور الثرية-الشيقة التي تنطوي عليها الدراسة لجوؤها إلي استعراض مقارن بين نماذج من مواد الدستور المصري الصادر عام1971 والمواد المناظرة لها في عدد من دساتير العالم المشهود لها بدقة وكمال الصياغة مثل دساتير جنوب أفريقيا وروسيا وألمانيا,وذلك المنهج المقارن يساعد كثيرا علي انفتاح الفكر نحو تجارب الآخرين والاستفادة منها في إدراك دستور جديد حديث لمصر.
وهناك بعض النقاط المهمة التي استرعت انتباهي في هذه الدراسة مثل:
00الدستور هو مجموعة من القواعد التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وشكل الحكومة والسلطات العامة التي تباشر بها الدولة وظائفها واختصاص كل منها وعلاقتها ببعضها البعض كما أن الدستور يحدد حقوق المواطنين وحرياتهم وواجباتهم ويكفل صيانتها وحمايتها من الجور والاعتداء.
00يحتل الدستور مكانة سامية في النظام القانوني للدولة,ويعد التشريع الوضعي الأسمي صاحب الصدارة علي ما دونه من تشريعات يجب أن تنزل علي أحكامه,ومن ثم تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت أية قاعدة من قواعد الدستور أو حكم من أحكامه.
00المادة(60) من الإعلان الدستوري والتي تنظم خطوات وإجراءات كتابة الدستور الجديد خلقت أكثر من مشكلة عند تطبيقها,الأمر الذي أثر بالسلب علي مسار كتابة الدستور وأهدر وقتا ثمينا ولايزال يشكل تحديات وعوائق تهدد إنجاز هذا العمل الوطني التاريخي علي الوجه الأكمل…فقد جاء نص المادة خاليا من وضع أية ضواط أو معايير لعضوية اللجنة التأسيسية التي يتولي الأعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشوري انتخابها,الأمر الذي جعل تشكيل اللجنة رهن إرادة الأغلبية البرلمانية وبالتالي لاتوجد ضمانات لأن يأتي الدستور معبرا عن إرادة وحقوق وحريات الشعب بمختلف أطيافه.
00نصت المادة(60) علي أن تنتهي اللجنة التأسيسية من إعداد مشروع الدستور الجديد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها,وهي مدة غير كافية علي الإطلاق لإعداد دستور يضمن انتقال البلاد من الحكم الديكتاتوري إلي الحكم الديمقراطي ويضمن كفالة الحقوق والحريات التي تكفلها كافة المواثيق والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان…كما أغفلت المادة جزئية مهمة كان يجب أن يشتمل عليها عمل اللجنة التأسيسية وهي استطلاع رأي الشعب في دستوره الجديد بالطرق المختلفة قبل وأثناء إعداد مسودة الدستور وهو الأمر الذي تم اتباعه بنجاح ملفت في إعداد الدستور الجديد لجنوب أفريقيا فجاء ذلك الدستور معبرا عن كافة أطياف الشعب وملبيا لطموحاتهم.
00لم تتناول المادة(60) سوي احتمال واحد عند طرح مشروع الدستور الجديد علي الشعب للاستفتاء,حيث نصت علي أن مشروع الدستور يصبح دستورا للبلاد عند إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء,ولم تنص المادة علي احتمال رفض الشعب لمشروع الدستور وماذا يحدث في هذه الحالة؟…هل تقوم اللجنة التأسيسية ذاتها بإجراء التعديلات الواجبة علي مشروع الدستور المرفوض من الشعب؟وكيف؟أم يجب انتخاب لجنة تأسيسية جديدة تضطلع بذلك باعتبار اللجنة التي أعدت مشروع الدستور المرفوض من الشعب قد فشلت في التعبير عن إرادة الشعب؟…وما البرنامج الزمني لوضع مشروع الدستور الثاني بعد رفض المشروع الأول؟
00كل هذه التساؤلات أدت بالدراسة لأن تخلص إلي أن واضعي المادة(60) من الإعلان الدستوري قد فرضوا وصايتهم علي الشعب واعتبروا أنه لايملك إلا أن يقولنعملمشروع الدستور الجديد,وكأن الشعب قاصر أو عدم الأهلية وأن اللجنة التأسيسية هي الوصية عليه!!
000هذه القراءة للدراسة المذكورة تعيدنا إلي الصراعات التي احتدمت منذ مايقرب من عام مضي حين رفضت الأغلبية البرلمانية كافة الجهود والوثائق الوطنية التي كانت تضع معايير اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور وكذلك معايير المواد الدستورية الواجب احترامها والتمسك بها- وحتي اعتبارها مبادئ فوق دستورية محصنة ضد المساس بها أو تعديلها مستقبلا-فإذا بنا ننتهي إلي أن الفصائل التي تشدقت طويلا برفض الوصاية علي الشعب المصري ورفض مصادرة حريته في كتابة دستوره الجديد هي ذاتها التي تقف الآن متلبسة بالوصاية علي هذا الشعب ومصادرة حريته!!!