السؤال الذي يتردد حاليا في الولايات المتحد, حيث تهز ثورة الغاز الصخري الأسواق هو: هل ستتواصل هذه الثورة وتعبر المحيطين الأطلسي والهادي؟
السؤال الذي يتردد حاليا في الولايات المتحد, حيث تهز ثورة الغاز الصخري الأسواق هو: هل ستتواصل هذه الثورة وتعبر المحيطين الأطلسي والهادي؟
في الوقت الراهن تقود الولايات المتحدة العالم في مجال تطوير مصادر الغاز الصخري, بعد أن حققت تطويرات ذات شأن في تقنيات استخراج الغاز, والتخلص من المخلفات. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الأهمية التي تضفيها بعض الولايات علي موضوع تطوير مصادر الغاز الصخري فيها, فسندرك أنه سيكون من غير المرجح أن يتم قبول الإنذارات المقدمة من المنظمات البيئية لها, بالتوقف عن استخدام تقنية التكسير الهيدروليكي علي نطاق واسع. والحالة الأخيرة في هذا السياق كانت في ولاية نيويورك التي تتمتع بمخزون ضخم غير مستغل من الغاز الصخري, تقع حقوله في مناطق تحتاج لتطوير اقتصادي وتتمتع في الآن ذاته بقدر كبير من الجمال الطبيعي الخلاب الذي يجعلها جاذبة للاستثمارات السياحية الضخمة. وإذا ما تمت إزالة مخاوف المنظمات البيئية, فإن نيويورك قد تتمكن من أن تحذو حذو جارتها بنسلفانيا في البدء بإنتاج هذه المادة علي نطاق واسع.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلي أن الحفر في الولايات الأخري يجري علي نطاق واسع للغاية, لدرجة قد يصعب معها تخيل إمكانية قيام الحكومة الفيدرالية بالتدخل, ما لم يتم اكتشاف مخاطر بيئية كبيرة.
وهناك دول كثيرة تود أن تقلد ##عاصفة الغاز الصخري## الأمريكية, مما يجعل من النقاش الدائر حول هذه المادة عالميا, الأمر الذي يمثل معضلة مثيرة لاهتمام هؤلاء الذين يسعون لسياسة طاقة خالية من الوقود الأحفوري.
ومن المعروف أن الغاز الطبيعي أكثر نظافة من الفحم والبترول اللذين يستخدمان في تشغيل وسائل النقل وتوليد الكهرباء, لكنه ليس علي مستوي نظافة طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية. ورغم ذلك نجد أن كافة المؤشرات تدل علي أن استهلاك الوقود الأحفوري, سوف يتزايد في غياب بديل رخيص.
أما الطاقة النووية فتنطوي علي مصروفات رأسمالية كبيرة يجب تكبدها قبل البدء في الإنتاج, وهو ما يجعل الشركات الخاصة تحجم عن الدخول في هذا المجال, ما لم تضمن أولا تلقيها لإعانات من الحكومات. وهناك عامل آخر له تأثيره بالنسبة للطاقة النووية, وهو أن الحماس لها قد تضاءل كثيرا في الغرب بعد وقوع كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان, وخصوصا بعد أن قامت الأخيرة بإغلاق مفاعلاتها العديدة الواحد تلو الآخر.
ومشروعات طاقة الرياح, والطاقة الشمسية, والطاقة المولدة من مساقط المياه, جميعا لها مشاكلها الخاصة, وليس أقلها التكاليف الأولية أو تكاليف بدء التشغيل, والهواجس البيئية, والتحديات السياسية.
ورغم أن الطاقة الشمسية قد شهدت تطويرات مهمة في المرحلة الأخيرة, إلا أن الغاز ما زال يقود المسيرة.
وينقسم منتقدو ثورة الغاز إلي فئتين: الأولي تتمثل في البيئيين الذين يعتقدون أن التقنية, وخصوصا الخاصة بالتكسير الهيدروليكي, ما زالت خطيرة, ويمكن أن تدمر إمدادات المياه, وتساعد علي إدامة استخدام أنواع الوقود الأحفوري. الفئة الثانية هم الاقتصاديون الذين يعتقدون أن المدافعين عن هذه العملية قد بالغوا في حجم احتياطات الغاز الصخري, ومقدار فعاليتها في تخفيض نفقات الاستخراج في العديد من الآبار المكتشفة.
وهناك عواقب أخري يجب أخذها في الحسبان: فإذا ما كانت صناعة النقل البري عن طريق الشاحنات سوف تقوم بتوفير الوقود لأساطيلها عن طريق الغاز, بدلا من البنزين والديزل, فإن ذلك سوف يشكل تعزيزا كبيرا لصناعة الغاز. بيد أن ذلك سيتطلب مساعدة من سلطات الولاية أو السلطات الفيدرالية, كما لن يحظي برضا الماليين (المحافظين) الذين يعتقدون أن السوق هو الذي يجب أن يحدد مثل هذه الأمور.
وتشير دلائل كثيرة إلي أن أعواما عديدة سوف تمر قبل أن يصبح النفط شيئا من الماضي. في نفس الوقت قد يكون من الأفضل أن يتم التركيز علي كفاءة الطاقة, وخصوصا الجزء المتعلق بتطبيق معايير أكثر صرامة لاستهلاك النفط من قبل قطاع النقل. والشاهد أن هذا الأمر قد بدأ بالفعل في بعض الولايات, لكنه يواجه بمعارضة من أعضاء مهمين في الكونجرس.
وإذا ما أعيد اختيار أوباما فسوف يقوم علي الأرجح بمواصلة سياسته للطاقة والمعروفة بـ##الطاقة الأكثر إخضرارا##, رغم أنه سيضطر في سياق ذلك لتحدي قطاعي الغاز والنفط علي نحو جدي. أما إذا ما فاز رومني في الانتخابات, فسوف يدعو لإنتاج المزيد من أنواع الوقود الأحفوري, والمطالبة بقدر أكبر من النفاذ والوصول لاحتياطات كندا الهائلة من النفط.
ومن المتوقع استمرار النقاش المتعلق بالطاقة في الولايات المتحدة, مع ازدياد احترار كوكب الأرض, ونمو الطبقة الوسطي في دول الاقتصادات الناهضة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية واستهلاكها للمزيد من الطاقة. فهناك علي سبيل المثال نقاش جاد حاليا في جنوب أفريقيا حول ما إذا كان يجب عليها العمل بتطوير احتياطاتها الضخمة من الغاز الصخري أم لا. مع العلم أن التقديرات تشير إلي أن احتياطات هذه الدولة من الغاز تضعها في المرتبة الخامسة بين الدول التي تنتج هذا النوع من الغاز في العالم.
وهناك نقاش مماثل في بولندا التي ما زالت تعتمد علي الفحم في إنتاج معظم احتياجاتها من الكهرباء, كما تعتمد علي روسيا في استيراد الغاز. ورغم أن بولندا لديها -كما يفترض- احتياطات لا بأس بها من الغاز الطبيعي, إلا أن عمليات الحفر التجريبي التي أجرتها لم تسفر عن استخراج أي كميات منه. وبولندا تتمتع بميزة علي جنوب أفريقيا وهي وفرة إمدادات المياه, لكنها علي النقيض من جنوب أفريقيا المستقلة الإرادة, لا تستطيع تجاهل الإشارات القادمة من بروكسل, بأن أوربا قد لا تكون جاهزة بعد للغاز الصخري.
والجدير بالذكر أن بولندا تعتمد علي الاتحاد الأوربي في الحصول علي الدعم المادي المطلوب لتحديث بنيتها الأساسية الفقيرة, وخصوصا طرقها وسككها الحديدية.
واشنطن بوست