صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت كتاب “الأمة والدولة والتاريخ والمصائر” الذي يضم مجموعة من الدراسات المهداه إلى الدكتور رضوان السيد شارك فيها عدد كبير من المثقفين العرب من المغرب إلى الخليج
صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت كتاب “الأمة والدولة والتاريخ والمصائر” الذي يضم مجموعة من الدراسات المهداه إلى الدكتور رضوان السيد شارك فيها عدد كبير من المثقفين العرب من المغرب إلى الخليج.
ويوضح الكتاب أن رضوان السيد لايقدم نفسه منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، باعتباره باحثًا في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، ولا باعتباره فقيها إصلاحيا أو عارفًا بالاستشراق، أو بالفكر الفلسفي الألماني، أو مناضلاً ضد أفكار وتيارات الإسلام السياسي، أو صانعا لتيارات فكرية من خلال المجلات الكبرى التي أشرف على إصدارها بل ظل يصر بين الجد والهزل، على أنه رضوان نايف السيد من ترشيش التى تعد مسقط رأس رضوان، لمن لا يعرفها، قرية في أعالي جبل لبنان، دمرتها الحرب الأهلية اللبنانية في بداياتها (1975-1977)، للنزاع الذي اندلع فيها بين المسيحيين والمسلمين، على خلفية الصراع في لبنان والمنطقة، على المقاومة الفلسطينية التي استقرت بلبنان، بعد هزيمة 1967.
أصول أزهرية .. وثقافة فقهية
ويعرف رضوان لدى محبيه بلقب “مولانا” الذي يشير إلى أصوله الأزهرية، وثقافته الفقهية العميقة، وميله إلى التحدث بالفصحى حتى خارج قاعات الدرس. كما انه شخصية عذبة وراضية ومكتفية وراعية، لا تفارق البسمة ملامحه، ويعامل أساتذته وزملاءه وتلامذته، معاملة الأب الرؤوف، والأخ الكبير ، حيث عرفه الطلاب الجامعيين العرب بمصر والمغرب والخليج فى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال مجلة الفكر العربي، التي صدرت عن معهد الإنماء العربي ببيروت عام 1977، وتولى الشاب رضوان السيد القادم من الدراسة بألمانيا رئاسة تحريرها منذ عام 1979. كانت مجلة الفكر العربي طليعة المجلات الفكرية العربية آنذاك، ومع أن الدكتور رضوان ما رأس تحريرها إلا لخمس سنوات فإن الفرق بدا واضحًا فيما قبل وما بعد. ولا يزال الزملاء المعنيون يذكرون له تحويله المجلة إلى منتدى فكري ونقاشي بالغ العصرية والعمق في مجالات العلوم الإنسانية.
العلاقات الإسلامية المسيحية
ويكشف الكتاب عن أن رضوان السيد شارك كبار المثقفين من أبناء جيلنا في فتح العيون والأذهان عليه، ما لبث أن بلغ ذروة غير مسبوقة في مجلة الاجتهاد التي أقبل على إصدارها مع الأستاذ الفضل شلق منذ عام 1988 وحتى عام 2004 ، ففي هذه المجلة صار الفكر السياسي القديم تخصصًا معتمدًا، وصارت الحضارة الإسلامية جزءًا من التاريخ الحضاري للعالم، وصارت العلاقات الإسلامية المسيحية مجالاً شاسعًا للتأمل في التكوين والصيرورة، وصارت فلسفة الدين منهجا لفهم الظاهرة الإسلامية المعاصرة، كما صارت أيديولوجيا الانحطاط الحضاري موضوعة على مشرحة النقد، وكذلك علاقات الشرق بالغرب، وطوال التسعينيات من القرن الماضي، كانت مكاتب مجلة الاجتهاد ومكتبتها، ملتقى لكبار الدارسين من العربحتى عام 2004 تاريخ توقف مجلة الاجتهاد عن الصدور، وانصرف الأستاذ السيد للعمل مستشارا للتحرير بمجلة التسامح التي ما تزال تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بعمان
مفهوم الحرية في الإسلام
قام الدكتور رضوان باستعلان مشروعه الفكري، وكان دائم التطوير المستمر للأدوات المنهجية. ففي عام 1965-1966 تخرج في المعهد الديني ببيروت وبعد الحصول على الثانوية من المعهد، مضى مع عدد من زملائه إلى مصر، حيث انتسب إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وتخرج فيها عام 1970 ، وقد طبعت التجربة المصرية والأزهرية شخصيته واهتماماته على مدى العقود اللاحقة. وفي خريف عام 1972 وبعد عملٍ قصير بدار الفتوى بلبنان في تحرير مجلة الفكر الإسلامي، مضى بمنحة للدكتوراه إلى جامعة توبنغن بألمانيا الاتحادية، حيث قضى خمس سنوات حصل في نهايتها على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 1977 وفى خريف العام نفسه بدأ التدريس بقسم الفلسفة بالجامعة اللبنانية، وهو لا يزال أستاذًا بالقسم حتى اليوم، وفي عام 1979 نشر نصًا هامًا هو قوانين الوزارة وسياسة الملك. كما ترجم عن الإنجليزية كتاب فرانز روزنتال بعنوان: مفهوم الحرية في الإسلام.
الموروث الديني والثقافي
واعلن رضوان السيد عن مشروعين كبيرين في تاريخ أهل السنة، وفي التاريخ الثقافي العربي حيث يوضح الكتاب مقالاته في السنوات الخمس الأخيرة في مجلة التسامح تأسيسية من حيث الاهتمام بمنظومات القيم بين الغرب والإسلام. وتدل دراساته لعدد من المؤتمرات على اهتمام متجدد بإشكالية الموروث الديني والثقافي في وعي وعمل المثقفين العرب في العقود الأخيرة، ويذكر أنه سيكون له عمل كبير عنها، فمشروعه ذو الهم الواحد وهو على مشارف الستين، وقد صار أحد أبرز المثقفين العرب المعاصرين يبدو في أوج تألقه فرغم الانكسارات والتصدعات من حوله وحولنا تظل فكرة الأمة “الطالعة في أفق التاريخ والزمان” كما ذكر في كتابه الأمة والجماعة والسلطة، هي عماد ذلك المشروع، وهي الباعثة على الأمل والعمل: “إذا أردنا أن نبقى بشرا، وأن يبقى وجودنا وجودا إنسانيا”؛ كما ذكر في مقالته في الإصلاح السياسي العربي.
—
س.س