مصر جديدة تنعم بالحرية والرخاء وتظللها المعرفة.. دستور ثقافي.. هذا هو الحلم الذي عاش من أجله الدكتور طه حسين ورحل عن الحياة الدنيا دون أن يري حلمه متحققا.. ولكن لماذا طه حسين اليوم؟ والإجابة لا تكمن فقط في
مصر جديدة تنعم بالحرية والرخاء وتظللها المعرفة.. دستور ثقافي.. هذا هو الحلم الذي عاش من أجله الدكتور طه حسين ورحل عن الحياة الدنيا دون أن يري حلمه متحققا.. ولكن لماذا طه حسين اليوم؟ والإجابة لا تكمن فقط في كونه عميد الأدب العربي يفرض نفسه حاجزا في الذهنية علي الدوام.. ولكن الأمر يتعلق بمشروع فكري قوامه الديموقراطية والحرية وتيسير العلم, ومن أهم ملامحه التعليم كالماء والهواء, جامعة دينها العلم, قدرة الإنسان الشغوف بالمعرفة علي التحرر, عدم تأسيس الدولة علي مفهوم ديني للهوية, دستور اقترب فيه العميد (بموضوعية وشجاعة) من العديد من الأسئلة الحرجة والمسكوت عنها, تلك الأسئلة التي تعيد اكتشاف التاريخ العربي بعيدا عن التمجيد الذاتي, مطالبا بالتحرر من الغيبيات..
ولعل هذه الأفكار وغيرها مما وردت في كتابه مستقبل الثقافة في مصر الصادر عام 1938 جعلته وجها لوجه أمام مشروع فكري مناهض قامت به جماعة الإخوة المسلمين.. هذا المشروع مستقبل الثقافة تحت حكم الإخوان نراه في رسالة مطولة كتبها قائد الجماعة الشيخ حسن البنا إلي الدكتور طه حسين تعقيبا علي كتابه مستقبل الثقافة في مصر.
نقرأ في هذه الرسالة الطويلة إننا ياصاحب.. أمة متحدة في كل شيء إلا في شيء واحد لعله أهم مظاهر الوحدة وهو الثقافة والتفكير ولقد طغت هذا الفطر المصري الكريم من أقصاه إلي أقصاه وجبت مدنه وقراه واتصلت بأوساطه المختلفة وبيئاته العديدة فوجدت الوحدة تشمل كل مظاهر حياته من نظام معيشته وتقاليد وعادات إلا بعض الخلاف الموضعي الذي هو وليد الظروف الخاصة فقط, وليس هناك تخالف جوهري في تنظيم الحياة العامة, فنظام حياة الطبقة الوسطي مثلا في أسوان هو نظام حياة هذه الطبقة في القاهرة وفي طنطا وفي الزقازيق وفي غيرها شرقا وغربا فالمأكل واحد والمشرب واحد والملبس واحد يكاد يكون واحدا وهكذا ولكن الخلاف الصارخ… الخلاف العظيم في التفكير والثقافة والآمال والآلام, ولهذا لاتكاد تلتقي وجهات النظر إذا دار بحث قضيته من القضايا في مجتمعاتنا المصرية..
أيضا القاريء سيجد مايكشف بجلاء نسيج الجماعة إزاء قضية التعليم, فالشيخ حسن البنا لا يريد تعلم اللغات قبل المرحلة الثانوية, لأن تدريس اللغات من وجهة نظره في التعليم ما قبل الثانوي: يقول به حضرات رجال المعارف المختصين ودراسة النفس.. حتي يمكن أن يجيد الشخص لغته الأم.. أيضا يطالب البنا بالفصل في التعليم بين الطلبة والطالبات في كافة المراحل صونا لأخلاق الأمة وكيانها الأدبي!!
ويختتم الرسالة بقوله: سنعمل لذلك مهما كان الثمن الذي سندفعه غاليا ومهما كانت التضحية التي نبذلها عزيزة كريمة..
ها نحن إذن أمام مشروعين فكريين مشروع للحرية ومشروع آخر مناهض يسلبها .. فأي المشروعين اليوم يفرض نفسه علي واقع المجتمع المصري..؟ سؤال يطرح نفسه…