مرسي يواجه عدد من التحديات؛ أهمها صراع الشرعيات، ولا يمكن بناء جمهورية جديدة على شرعيتين
عبد الفتاح ماضي: مصر أمامها فرصة تاريخية لبناء نظام جمهوري إذا تم استغلال الأوضاع السياسية بشكل صحيح
شهدت مكتبة الإسكندرية ندوة بعنوان “نحو تأسيس الجمهورية الجديدة في مصر”، والتي نظمها مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية، وتحدث فيها كل من الدكتور إبراهيم عرفات؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور عبد الفتاح ماضي؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، وأدارها الدكتور سامح فوزي؛ مدير مركز دراسات التنمية.
وقال الدكتور سامح فوزي إن المجتمع المصري شهد وسيشهد عدد كبير من التحولات والتغييرات بعد ثورة 25 يناير، مما يضعنا في طريق تأسيس جمهورية جديدة أو جمهورية ثانية بعد سقوط نظام مبارك وانتخاب أول رئيس مدني.
وفي كلمته، أكد الدكتور إبراهيم عرفات أنه لا يتفق مع استخدام تعبير “الجمهورية الثانية”، مشيرًا إلى أن الفترة من 1952 وحتى 2011 تعد مشروع تفكير في بناء جمهورية، وبذلك فنحن بصدد بناء الجمهورية الأولى.
وأرجع ذلك إلى أن الفترة من 1952 وحتى 2011 قامت على الاستبداد بالحكم، والاعتماد على الاحتكار والتوريث في الحكم؛ سواء كان التوريث داخل المؤسسة العسكرية أو داخل الأسرة الواحدة؛ مما أدى إلى ضيق قاعدة المشاركة الشعبية واحتكار قلة قليلة للحيز العام.
وأوضح أن فترة الحكم السابقة قامت على تحدي الإرادة السياسية للجمهور، وإلغاء الثقافة السياسية، واستخدام الفزاعات وصناعة الفتن والأزمات، وذلك بهدف إخراج الناس من الحيز العام واحتكار السلطة.
وأضاف أن هذه الفترة شهدت أيضًا ظهور الدولة الموازية، التي يعتمد فيها المواطن على الرشوة والمحسوبية والجهات الغير رسمية لإنهاء أعماله، وذلك لعدم قيام الدولة الرسمية بدورها.
وشدد عرفات على أهمية تلافي أخطاء فترة الحكم السابقة حتى نتمكن من التغلب على تحديات بناء الديمقراطية الجديدة، وذلك من خلال مجموعة من المحاور؛ أولها منع زواج السلطة بالمال أو العسكر أو الدين. وأوضح أن ذلك لا ينفي دور رأس المال، لكن يجب أن يكون مقيد بقوانين، كما أنه لا ينفي أهمية الأخلاقيات والبديهيات أو دور المؤسسة العسكرية.
وأكد أهمية إعادة رسم المسافة بين العام والخاص، وتحديد مستوى التغيير المطلوب في أشكال وآليات وقواعد النظام، وبناء ثقافة جديدة تقوم على نقد الذات، وعدم تسليم الثورة لمؤسسات سكونية تميل للهدوء في تفكيرها، وتوسيع حجم الجبهة الوطنية، ووضع ركائز عمل القوى السياسية في مصر.
وأشار إلى أهمية الرسم السليم للعلاقات المدنية العسكرية؛ مبينًا أنه من منظور علم السياسة فإن موازين القوى تبين أن المؤسسة العسكرية سيكون لها دور في الحياة السياسية، ولكن يجب تحديد مساحة هذا الدور؛ وهو ما يقوم على بناء تحول ثقافي في رسم العلاقات المدنية العسكرية. وأكد أن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة وطنية ولا يجب استخدام خطاب التخوين معها، ولكنها مؤسسة لا علاقة لها بالعمل السياسي.
وعن تحديات المرحلة الراهنة، أكد عرفات أن انتخاب رئيس جديد لا يعني أننا وصلنا للوضع النهائي في المرحلة الانتقالية، إنما هو الدخول في الجزء الثاني من المرحلة الانتقالية. وأشار إلى أن الرئيس محمد مرسي يواجه عدد من التحديات؛ أهمها صراع الشرعيات؛ موضحًا أن المجلس العسكري يرى أن شرعية 1952 لازالت قائمة، بينما نحن الآن أمام شرعية تعتمد على رمز تاريخي جديد وهو ثورة 25 يناير؛ مشددًا على أنه لا يمكن بناء جمهورية جديدة على شرعيتين.
وقال إن الرئيس محمد مرسي عليه أن يقوم بتوسيع قاعدته الشعبية، كما أن الجمهور يجب أن يشارك في عملية التغيير وإعادة البنى التنظيمية للثورة من خلال إنشاء أحزاب سياسية شبابية قوية، وتقدير عامل الوقت وعدم المجادلة حول البديهيات.
وشدد في الختام على أن مصر أكبر من أن يحكمها تيار واحد، وذلك لأن المجتمع المصري مجتمع شديد التنوع. وأضاف: “مصر أكثر حداثة مما يتصور السلفيون، وأكثر تمسكًا بالتقاليد مما يتصور العلمانيون”.
من جانبه، أتفق الدكتور عبد الفتاح ماضي مع رؤية عرفات بأننا بصدد بناء الجمهورية الأولى، مبينًا أن مصر لم تعرف أبدًا شكل الجمهورية، حيث كان يحكمها حكم فردي سيطرت فيه المؤسسة العسكرية على الحكم.
وأشار إلى أن الفترة السابقة قامت بعملية “غسيل مخ” للمواطن لإبعاده عن المشاركة السياسية، وذلك بزراعة الأساطير والفزاعات وكل أنواع اليأس في نفس المجتمع.
وأضاف أن عمليات التنشئة السياسية قامت على الرأي الواحد وتقديس الرئيس، وتم زرع أفكار الرأي الواحد والزعيم الواحد والتنظيم الواحد في العقل المصري.
وشدد على أن مصر أمامها فرصة تاريخية الآن لبناء نظام جمهوري جديد إذا تم استغلال الأوضاع السياسية بشكل صحيح، وذلك من خلال وجود رؤية تقوم على قيم الجمهورية وتوعية الشعب بدوره في المشاركة في الشأن العام وبناء النخبة والقيادة والكوادر وتدريبها.
يذكر أن مكتبة الإسكندرية أسست “مركز دراسات التنمية” كإطلالة جديدة على الحياة العامة، بهدف تعميق المشاركة في التنمية بمفهومها الشامل اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، والحكم الرشيد، وتطوير السياسات العامة.
ويهدف المركز أيضًا إلى دعم بناء النظام الديمقراطي وطرح تصورات مستقبلية للتنمية في المجتمع المصري في مختلف المجالات، وهو ما يمثل ضرورة أساسية يفرضها التفكير في المساهمة في مشروع النهضة في أعقاب ثورة 25 يناير.
==
س.س