بتاريخ 17 ديسمبر 2010, قام البائع المتجول محمد بوعزيزي بسكب الوقود علي نفسه وإشعالها أمام مبني حكومي في قرية سيدي بوزيد التونسية البعيدة.. أطلق فعل بوعزيزي الناتج من إهانة من بين الكثير من الإهانات التي تعرض لها من قبل الشرطة المحلية, أطلق عاصفة من الغضب العربي والتي جرفت ببن علي ومبارك..
هذا مع العلم أن كلا من تونس ومصر غير معدتين لتصبحان دولتين لحماية الأفراد ولا حتي لتطبيق الليبرالية والديموقراطية علي غرار الطراز الغربي, لأنهما علي بعد الكثير من السنين من ذلك.
إن النقطة الأقل وضوحا هي الدور الذي لعبته عملية تحديد الحرية الاقتصادية في إطلاق المظاهرات. حيث لعبت سياسة التدخل الاقتصادي دورا منذ بداية هذه الاحتجاجات, وكانت مصدرا رئيسيا للغضب العام الذي زاد من تأجيجها.
كان بوعزيزي مسئولا عن إعالة أمه وزوج أمه وخمسة من إخوانه وأخواته عن طريق بيع الفواكه والخضار في السوق المحلية في منطقته – كلما استطاع ذلك- لأن الشرطة كانت دائما تضايقه إما علي شكل طلب الرشوة منه أو مصادرة بضاعته والميزان, أو فرض غرامات عليه بداعي العمل دون ترخيص. هذا وقد تم تغريمه مبلغا يعادل دخل شهرين من العمل, وذلك قبل انتحاره بستة أشهر. وبالطبع, فإن تعامل النظام علي هذه الشاكلة لم يكن مقتصرا فقط علي عائلة الطرابلسي.
وقد عمل الفساد الحكومي في مصر وتونس علي تحطيم الآمال الاقتصادية للمواطنين, في الوقت الذي تم فيه إعطاء الحرية للفساد. وهو ما يفسر تزايد النقمة الشعبية لهذه الشعوب.
وعلي الرغم من استقلال تونس عام 1957 والانقلاب الذي قاده بن علي علي قصر الرئاسة بعد ذلك بـ30 عاما, بقيت العلاقات ما بين باريس وتونس وطيدة. إلا أن وعد الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران بربط المساعدات بحقوق الإنسان لم يمنع مئات الملايين من الفرنكات الفرنسية من التدفق إلي تونس في عام 1994, وبعد سنة, زاد شيراك المبلغ ليصل إلي أكثر من مليار. وقد أعلن أن التقدم الذي يحرزه بن علي كان علي طريق الديموقراطية, بينما ادعي من تلاه (ساركوزي) أن الناس كانوا ##قساة## علي تونس والتي كانت تتقدم نحو ##الانفتاح والتسامح## في وقت توسع فيه ##فضاء الحريات##.
وفعلت باريس كل ما بوسعها في الأيام الأخيرة لإحياء النظام الآيل للسقوط: فقبل رحيل بن علي بثلاثة أيام, قال وزير الخارجية الفرنسي إن ##قوات الأمن الفرنسية المعروفة علي النطاق الدولي## علي أهبة الاستعداد للمساعدة علي إنهاء العنف في البلاد!
وكما هي الحال مع فرنسا, فقد كان من الصعب علي الإدارة الأمريكية أن تتنازل عن حليفتها التي استمرت العلاقة بها لوقت طويل حتي عندما اقتربت النهاية. فقد وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية حكومة مبارك بأنها ##مستقرة##, وذكرت أنها -أي حكومة مبارك- تبحث عن طرق للاستجابة للمطالب والمصالح الشرعية للشعب المصري.
يجب عدم إلقاء اللوم علي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والبلدان الأجنبية الأخري بسبب وجود ومطاولة هذين النظامين الديكتاتوريين, فقد حافظ الطغاة من أمثال روبرت موجابي رئيس زمبابوي ومعمر القذافي رئيس ليبيا علي زمام السلطة لعقود دون الاعتماد علي القوي الأجنبية من النوع الذي اعتمد عليه كل من بن علي ومبارك. إلا أن الدعم الذي كانا يحظيان به لم يساعدهما بالتأكيد, مما يقلل احتمالية نظرهما إلي الديموقراطيات التي تتمتع بالحرية علي أنها نموذج للاقتداء به, وبذلك يجب علي أي شخص يتوجه بالسؤال الذي لطالما طرحه الكثيرون: ##لماذا يكرهوننا؟## أن يتذكر هذا الشيء.
منبر الحرية