المناظرات الانتخابية بين مرشحي الرئاسة آلية سياسية طالما تابعها وقرأ عنها المصريون في دول العالم الغربي أو الديموقراطيات الحرة عبر العالم, لكنها أبدا لم تحدث في مصر عبر تاريخها…ذلك لأن هذه المناظرات تكشف
المناظرات الانتخابية بين مرشحي الرئاسة آلية سياسية طالما تابعها وقرأ عنها المصريون في دول العالم الغربي أو الديموقراطيات الحرة عبر العالم, لكنها أبدا لم تحدث في مصر عبر تاريخها…ذلك لأن هذه المناظرات تكشف للناخبين الجوانب التي لايكشفها المرشحون عن أنفسهم,فالمألوف أن المرشح سواء في برنامجه الانتخابي أو في لقاءاته ومؤتمراته التي يلتقي فيها مع المواطنين يركز علي جميع الإيجابيات المرتبطة بشخصه وتاريخه وإنجازاته علاوة علي رؤاه وفكره الثاقب وخططه وبرامجه للإصلاح والتطوير ووعوده بأن كل شئ يمكن إدراكه وعلاجه…لكن الأمر يختلف عن ذلك في المناظرات الانتخابية حيث يقف المتنافسون وجها لوجه ليتباروا في عرض وتفنيد برامجهم ويردون علي النقد والهجوم الموجه لهم,وعليهم أن يثبتوا للمواطنين أنهم جديرون بثقتهم وبالحصول علي أصواتهم…ولا يخلو الأمر في معرض تحقيق ذلك من أن يقوم كل مرشح بتعرية المرشح المنافس ونقد فكره ومعتقداته والهجوم علي توجهاته بهدف الثأثير سلبا علي فرصة لدي الناخبين.
وكانت باكورة تلك المناظرات في مصر ماجري الخميس قبل الماضي بين المرشحين لرئاسة الجمهورية السيد عمرو موسي والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح,واستمرت المناظرة زهاء الخمس ساعات وحفلت بشتي المواقف والقضايا والسياسات التي تباري فيها كل منهما في تقديم رؤيته وشرح برامجه والدفاع عن سيرته الذاتية وتاريخه….ولم يخل الأمر من كثير من الاتهامات المتبادلة بينهما والتي أفرزت قدرا ملحوظا من التراشق اللفظي والسخونة علي الحوار خاصة أن طرفي المناظرة ينتمي أحدهما وهو السيد عمرو موسي إلي معسكر التيار المدني بينما ينتمي الآخر وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إلي معسكر التيار الديني.
قياس ردود الأفعال بعد المناظرة سواء بين السياسيين أو الخبراء أو في الشارع بين المواطنين حمل نتائج متباينة تتأرجح بين تزايد أو ثبات أو انحسار التأييد لكل من طرفي المناظرة,لكن تظل العبرة الحقيقية مرهونة بالناخبين الذين لم يكونوا قد حسموا أمرهم بتأييد أي من المرشحين قبل المناظرة,وماهو موقفهم بعدها…والأمر نفسه ينسحب علي باقي مرشحي الرئاسة,إذ لم تعد هناك فرصة لاستمالة الناخبين,فغدا تبدأ فترة الصمت الانتخابي وتتوقف جميع أشكال الدعاية تمهيدا لخروج المصريين إلي صناديق الانتخاب يومي الأربعاء والخميس المقبلين بإذن الله,نحو حسم السباق في جولته الأولي أو المضي إلي الجولة الثانية للإعادة.
وبالرغم من أنني علي المستوي الشخصي وكمواطن مصري غيور علي بلده قد حسمت أمري فيمن أعطيه صوتي بين مرشحي الرئاسة,إلا أن هذا المكان الذي أتواصل من خلاله كرئيس تحريروطني مع قراء الصحيفة يفرض علي الحياد ويفرض عليوطني أن تقف علي مسافة واحدة بين المرشحين…صحيح أن تلك المسافة الواحدة أقصر بالنسبة لمرشحي التيار المدني الليبرالي عنها بالنسبة لمرشحي التيار الديني,لكن في جميع الحالات تلتزموطني بتبصير وتوعية قرائها بكل مايلزم أن يعرفوه عن المرشحين وأيديولوجياتهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم وبرامجهم وخبراتهم السابقة, ثم تترك الحرية لكل قارئ ليقرر بنفسه من الأجدر بالحصول علي صوته في صندوق الانتخاب.
في هذا الإطار وفي داخل هذا العدد تقدموطني ملحقا خاصا عن مرشحي الرئاسة يتضمن حوارات ولقاءات مع كل منهم ويسلط الضوء علي مافي جعبته لقيادة مصر نحو مرحلة جديدة حاسمة في تاريخها تتعلق بها آمال المصريين لدخول عصر الديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة مع العلم والتنمية والحداثة والتقدم…
ويبقي أمران علي درجة كبيرة من الأهمية: الأمر الأول نداء إلي المواطن المصري للحرص علي الذهاب لصندوق الانتخاب لأداء الدور الوطني الذي تنتظره مصر من كل منا,متسلحا بالوعي والرؤية والقرار الحر الذي لا يتأثر ولا يشتري ولا يستدرج وراء ما لا يقنع ضميره الوطني…كما أتمني أن تقفز نسبة المشاركة إلي مستويات غير مسبوقة لتعكس اهتمام وتفاعل المصريين مع هذه الخطوة الحاسمة في مسار التغيير بعد ثورة25يناير.
أما الأمر الثاني فهو نداء إلي سائر مرشحي الرئاسة, فنحن جميعا تابعنا مرحلة المنافسة في هذا السباق والتي حفلت بكل وسائل الترويج والدعاية والالتقاء بالناخبين,كما شملت استخدام البعض لأدوات النقد والتعريض بالمنافسين…لكن هل أعد كل مرشح نفسه لاحتمال الخسارة كما أعد نفسه لاحتمال الفوز أو الإعادة؟…هل كتب كل مرشح خطابين يتوجه بواحد منهما للمصريين في حالة فوزه أو يتوجه بالآخر لمؤيديه في حالة خسارته؟…إننا إذا كنا نتغني بآلية المناظرات الانتخابية التي نقلناها لأول مرة في هذه الانتخابات عن الديموقراطيات الغربية,ينبغي لنا أن ننقل أيضا عنها تقاليد المسلك السياسي الراقي لتقبل النتيجة وتهنئة الفائز وقبوله, ولنا في هذا السياق أسوة بما عايشناه في سباق الرئاسة الفرنسية بين ساركوزي وأولاند منذ أسابيع ثلاثة,لأن في كل ذلك ترسيخا لمعايير الديموقراطية وتسليما بآليات تدوير السلطة وإعلاء لمستقبل مصر الجديدة.