عندما يكتب تاريخ ثورة25يناير2011 بواسطة الدارسين والمؤرخين سوف يغضب كثير من المصريين لأن هذه الثورة حتما ستوصف بأنها ثورة دموية حمراء,فبينما وصفت ثورة 23يوليو1952 بأنها ثورة سلمية بيضاء
عندما يكتب تاريخ ثورة25يناير2011 بواسطة الدارسين والمؤرخين سوف يغضب كثير من المصريين لأن هذه الثورة حتما ستوصف بأنها ثورة دموية حمراء,فبينما وصفت ثورة 23يوليو1952 بأنها ثورة سلمية بيضاء لم يقع فيها ضحايا ولم تسل فيها دماء,للأسف جاءت ثورة 25يناير هادرة عنيفة ملطخة بالدماء وسجلها يفيض بالضحايا والشهداء والمصابين.
وإذا كانت بدايات هذا السجل الدموي ترجع إلي سيناريوهات مقاومة النظام السابق وجهازه الأمني للثورة والثوار,وإلي المحاولات اليائسة للعصف بالثورة باللجوء إلي العنف المفرط في موقعة الجمل وفي مؤامرة الانسحاب الأمني وإطلاق المجرمين والبلطجية لإشاعة الفوضي وعقاب المصريين,فإن الحلقات اللاحقة لذلك بعد نجاح الثورة وسقوط النظام وما شابها من عنف وترويع وبلطجة وإرهاب كانت نتيجة احتدام الصراع السياسي بين الثوار الذين أرادوا حماية الثورة من جانب والتيارات الدينية السياسية التي برزت علي السطح وأرادت اختطاف الثورة لحسابها من جانب آخر.
تيارات الإسلام السياسي عادت إلي الساحة السياسية بعد سنوات طويلة من البطش بها وحظر نشاطها واعتقال قادتها بواسطة النظام السابق وجهازه الأمني, وبعد أن عانت طويلا من الإجراءات الاستثنائية وأحكام الطوارئ,وكان من المتوقع أن تلك التيارات ستعود لتشارك في إنجاح الثورة بالتواصل مع الثوار ومع سائر أطياف المصريين في إعادة تشكيل مستقبل مصر علي أساس من ترسيخ الحريات وتأسيس الديموقراطية وإعلاء المواطنة,وأن ما عانت منه من شتي أوجه التهميش والإقصاء لن تمارسه أبدا علي شركاء العملية السياسية الجديدة بعد الثورة…لكن الواقع للأسف الشديد أثبت عكس ذلك تماما…فمنذ بداية عودتها لميادين الثورة وللمسرح السياسي تلاحظ للكافة اندفاعها لتتقدم الصفوف وتزيح الآخرين جانبا,تلاحظت شهيتها المفتوحة لالتهام الثورة لحسابها ونسبة كل ما حققته الثورة لنفسها وحدها دون شباب الثوار,تلاحظت نواياها الخفية للاستيلاء علي الثورة وتوجيه مسارها لخدمة أجنداتها الخاصة واستراتيجياتها المعلنة وغير المعلنة.
ذلك كله لم يخف علي الثوار وتم التقاطه ورصده والتعبير عن مخاوفهم منه, لكن للأسف لم يستطع شباب الثورة الدفاع عنها أو الحيلولة دون اختطافها بواسطة تيارات الإسلام السياسي لافتقارهم إلي القيادة الحكيمة والسياسة المحددة,فكان أن ضاعت براءة وعفوية الثورة وتخبطت أمام قوة تنظيم وشراسة الإسلام السياسي…وأرجو ممن لايري تلك الصورة أن يراجع سلسلة الأحداث التي توالت علي الثورة ليقارن بين موقع الثوار وموقع تيارات الإسلام السياسي في كل منها بدءا من حشود ميدان التحرير وباقي ميادين مدن مصر أيام الجمع وكيف كان حال منصات الخطابة فيها ومن الذي استولي عليها,مرورا علي حصار السفارة الإسرائيلية والهجوم علي مديرية أمن الجيزة,ثم التفجيرات المتتابعة لخطوط أنابيب ومحطات الغاز في سيناء,ثم مظاهرات شارع محمد محمود والإصرار علي افتعال معركة مع قوات الأمن,ثم مظاهرات شارع قصر العيني والهجوم علي مقر مجلس الوزراء وحرق مبني المجمع العلمي,ثم السيناريوهات الكريهة التي صاحبت محاولات الترشح لرئاسة الجمهورية والإصرار علي تزييف الحقائق والكذب علي الشعب والتهديد بأنالأمور لن تمر علي خيرإذا تجرأت السلطة باستبعاد من لم يستوفوا معايير الترشح,ثم فضيحة الاستحواذ علي تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وما أدت إليه من الحكم بعدم دستوريتها وإعادة تشكيلها من خارج البرلمان…وأخيرا-وليس آخرا-كارثة الزحف علي العباسية سعيا نحو الوصول إلي مقر وزارة الدفاع لاستدراج المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي اشتباك ومعركة بأمل هدم كل ماتحقق وتقويض أركان الدولة وإشاعة الفوضي والزج بالوطن علي حافة الحرب الأهلية.
إن ما يفعله الإسلام السياسي هو بمثابة اللعب بالنار بطريقةفيها أو أخفيها(!!!)…لأن ما من مصري عاقل مهموم بأمر هذا الوطن إلا وقف عاجزا عن فهم ما جري الأسبوع الماضي في العباسية,ماهي أسبابه وما دوافعه وأهدافه؟…يتشدقون بحرصهم علي تسليم العسكر السلطة إلي سلطة مدنية منتخبة في الموعد المحدد,لكن كلما اقتربنا من هذا الموعد واعتقدنا أننا علي المسار الصحيح يقومون باختلاق أزمة أو معركة دون مبرر سوي تعطيل المسار وتهديد الاستقرار وإشاعة الفوضي..يتهمون فلول النظام السابق بالتسلل إلي المظاهرات والاعتصامات السلمية وتحويلها إلي مجازر دموية بشعة لكنهم لا يتورعون عن خلق التربة الخصبة التي تفرز ذلك مرة تلو مرة وكأنهم ينتشون من سقوط الضحايا وإشاعة الفوضي والبلبلة والتحريض ضد السلطة وضد العسكر واتهامهم بتعطيل المسار وتعويق نقل السلطة.
وسط هذا المشهد الكئيب وبالرغم من إشفاقي علي مصر مما تمر به, وحرصي الشديد علي إتمام عملية كتابة الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية طبقا للمسار الوطني الذي يحقق أحلام المصريين في دولة مدنية ديموقراطية حديثة…كانت تصلني أصوات بعض المصريين التي تستنكر ما يحدث وتصرخ:لماذا لا يستولي الجيش علي السلطة وينقدنا من هذا الهوان؟