إن كل من يرصد ممارسات الأغلبية السياسية الحالية بمجلس الشعب المصرى ليلحظ ظاهرة متكررة تدعو للقلق والحذر. فالممارسات التشريعية تتخذ دائماً اتجاه واحد ينزع نحو الاستئثار بالسلطة ومثاله الفاضح تكوين الجمعية التأسيسية المنحلة بقرار مشرف من القضاء الإدارى المصرى
إن كل من يرصد ممارسات الأغلبية السياسية الحالية بمجلس الشعب المصرى ليلحظ ظاهرة متكررة تدعو للقلق والحذر. فالممارسات التشريعية تتخذ دائماً اتجاه واحد ينزع نحو الاستئثار بالسلطة ومثاله الفاضح تكوين الجمعية التأسيسية المنحلة بقرار مشرف من القضاء الإدارى المصرى مبنى على أسانيد دستورية قوية لاشبه فى حجتها لكل متخصص فى القانون الدستورى، ولكن هذه الممارسات تذهب أيضاً إلى اتجاه خطير، وهو الاعتداء على الضمانات القضائية للحقوق والحريات العامة، وهو ما تمثل فى تقليص اختصاص المحكمة الدستورية العليا بدلاً من دعمها وتوسعه دائرة اختصاصاتها إلى مجال الرقابة السابقة على دستورية كافة التشريعات المحالة لها قبل اصدارها وبمجرد التصويت عليها، وهو ما أدى إلى سحب المشروع المؤسف الخاص بإعادة هيكلة المحكمة الدستورية، والذى أثار استهجان رجال القانون والقضاء لما فيه من عدوان على سيادة القانون، وفى النهاية فلا ننسى أن نذكر أن اخفاق هذا المجل وفشله عن أرضاء الفئات المهنية كأساتذة الجامعات يعد سبب ثالث للقلق والحذر فتنظيم المراكز القانونية لأساتذة الجامعة وأعضاء هيئات التدريس بصورة مثيرة للمعنيين .
قد أدى إلى تجمعهم وتظاهرهم ضد مشروعات القوانين المؤسفة التى أن دلت على شئ تدل على النزوع إلى الاستئثار بالسلطة وعدم القدرة على الحوار الديموقراطى مع المعنيين بالقرار، وكان علاقة هذه الأغلبية بجميع المؤسسات الأخرى للدولة ينبغى أن تتحول إلى علاقة قوة بين طرف يأمر ويطاع، وهذا مفهوم رجعى ومتخلف للممارسات الناضجة.
يكفى أن يرى الشعب الوقت الضائع فى مهاترات غير مجدية حول إلغاء النصوص المجرمة لختان البنات- والجدل العقيم الذى حداً بنائب أن يقترح هذا المشروع لرفع التجريم عمن يقوم بهذا العدوان البربرى على طفلة صغيرة- ليشعر بالحسرة والأسى لأن ممارسات هذا المجلس تنزع نحو الشطط فى انتهاك الحقوق والحريات الأساسية مما يحتم فى المرحلة القادمة أن يوفر الدستور الجديد ضمانات أساسية لاستقلال القضاء. ولرقابة دستورية القوانين أننى لا أملك إلا أن أحذر بصفتى الشخصية والعلمية كمواطن مصرى وكرجل قانون متخصص فى الشئون الدستورية مجلس الشعب المصرى من كل محاولة للاعتداء على اختصاصات المحكمة الدستورية العليا أو السلطة القضائية فى مصر فهى أخر حصن بقى للمصريين ضد محاولات الاعتداء المتكررة على الحقوق والحريات ولا سيما على الحقوق والحريات ولاسيما على الضمانة القضائية الضرورية لحمايتها، ونحذر أيضاً من الرغبة الجامحة لهذا المجلس فى الاستئثار بالسلطة وعدم احترامه لأحكام القضاء ولاستقلاله من المؤسف أن اللطمة الأولى التى وجهها القضاء الإدارى للأغلبية البرلمانية الحالية والتى تمثلت فى الجمعية التأسيسية المنحلة لم تكف ليتعظ المؤمنون وإنما من اللازم لطمة أخرى أكثر إيلاماً مع الأسف من السابقة وهذه المرة تأتى الصفعة من القضاء الدستورى نفسه أن مشروع قانون إعادة هيكلة المحكمة الدستورية العليا يستهدف تقليص اختصاصاتها وأضعاف القوة القانونية اللملزمة لأحكامها وهى صفعة لسيادة القانون.
نحن نطالب على العكس فى ظل الظروف الراهنة بدلاً من تقليص دور الرقابة القضائية على القوانين تعضيد واتساع نطاقها مع إقرار بعض الضمانات الدستورية على النحو التالى:
1- تبنى نظام الرقابة السابقة على دستورية التشريعات المحالة إلى المحكمة الدستورية من ثلاثين عضواً فقط من مجلس الشعب أو من رئيس الجمهورية فهذا أمر ضرورة لحماية الحقوق والحريات العامة المهددة الآن فى مصر أكثر مما سبق، وهى ضمانة لحماية الحريات فى مواجهة التشريع.
2- تقرير حظر دستورى لكل مشروع قانون يتضمن تحصين التشريعات أمام رقابة القاضى الدستورى أياً كان عدد المصوتين من أعضاء البرلمان لمخالفة هذا التحصين لحقوق الأقلية البرلمانية ولمبدأ الرقابة العامة والشاملة على دستورية القوانين فى حد ذاته لأن من مقتضيات هذا الأخير أن رقابة الدستورية تتقرر ل يس على أساس عدد من صوتوا على التشريع وأنما على أساس موافقة التشريع للدستور وهو ما يستحيل تقريره دون انعقاد رقابة مسبقة.
3- أن الجهل والعبث باختصاصات القضاء الدستورى يؤدى بالمجلس الحالى إلى حلول هزلية مقيتة من مقتضاها النص فى مشروع القانون على عدم اقتران حكم الدستورية بالأثر الملزم إذا ما صدر ضد المجلس لعدم دستورية قانون الانتخاب وباقتران الحكم بالقوة التنفيذية الملزمة لو صدر فى صالح المجلس. أن هذا العبث الذى يتدنى إلى حد الإساءة فى استعمال السلطة التشريعية والبله السياسى والقانونى لا يليق بمصر ولا بالقضاء المصرى.
4- يتعين أن يعطى القاضى الحق فى استبعاد التشريع المتصور تطبيقه فى النزاع وذلك إذا ما خالف التشريع معاهدة دولية أو وفاق دولى صدقت عليه مصر ولا سيما فى مجال الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وهو ما لا يتأتى إلا إذا نص النص الدستور الجديد على منح القواعد الدولية المكتوبة جوبشرط التصديق عليها وإدراجها فى النظام القانونى المصرى قوة قانونية ملزمة أعلى من التشريع تكفل للقاضى استبعاد التشريع المخالف للحقوق والحريات الأساسية.
5- يجب أن يعطى رئيس الجمهورية فى الدستور الجديد الحق فى حل المجلس التشريعى كما هو الحال فى كافة الديموقراطيات البرلمانية وذلك فى حالة أزمة سياسية تتولد عن الممارسات التشريعية المجافية لأحكام الدستور والضمانات والأعراف الدستورية التى نخشى أن يقترفها هذا المجلس.
فى النهاية يجب ألا يغرب عن البال أن الثورة المصرية تهدف إلى رد حقوق وحريات المصريين وليس مصادرتها وواجب المؤسسات الدستورية الأوحد هو تحقيق هذا الهدف فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أن انتهاء الفترة الانتقالية بانتخاب رئيس الجمهورية يؤدى إلى حل جالمؤسسات التى قامت اثناء هذه الفترة بما فى ذلك المجلس العسكرى ومجلس الشعب وبصراحة كاملة فأن العوار الدستورى الذى يعترى قانون الانتخاب يؤدى حتماً إلى التسليم بهذه النتيجة الدستورية الأخيرة.
دكتور وجدى ثابت غبريال أستاذ القانون الدستورى والحريات العامة بكلية الحقوق والعلوم السياسة جامعة لاروشيل الفرنسية المسئول التعليمى عن الماجستير فى القانون العام عضو الجمعية الفرنسية للدستوريين.
إ س