عقد التحالف الوطني, الكتلة الأكبر في مجلس النواب العراقي, اجتماعا طارئا في الحادي والعشرين من إبريل المنصرم, لمعالجة قضايا طارئة تهدد وحدته, بسبب سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي, المثيرة للجدل وللمتاعب في آن واحد. وقد تغيب عن الاجتماع الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس التحالف, وتغيب عنه كذلك ممثل المجلس الأعلي الإسلامي, وهي تغيبات قد لا تخلو من معان سياسية.
سياسات ##دولة القانون## بزعامة المالكي, أدخلت العراق في متاهات علي المستويين الداخلي والإقليمي من جهة, وخلقت الأجواء المناسبة للتمرد علي الأوضاع القائمة من قبل كتل منضوية تحت راية هذا التحالف, من جهة أخري. ومع أن بعض الأخبار التي تتسرب بين الحين والآخر عن الصراعات داخل هذا التحالف, يجري تضخيمها أحيانا أو عكس ذلك أحيانا أخري, إلا أن هناك وضعا لا يمكن إنكاره أو تجاهل وجوده, وهو أن التحالف الحاكم يواجه, للمرة الأولي, أزمة وجود حقيقية. وتبعا لذلك يواجه عموم العراق مخاطر جمة, بسبب الجمود الخطير في العملية السياسية الذي يهدد بالانفجار, وبسبب اتجاه العراق نحو العزلة علي المستوي الإقليمي.
التحالف الوطني أعلن عن استمرار دعمه لحكومة المالكي, إلا أن البيان الذي صدر عقب الاجتماع لم يخف استياء التحالف من سياسات رئيس الوزراء وحزب الدعوة الذي يتزعمه, فالقرارات المعلنة التي اتخذت في الاجتماع, كانت بمثابة تقييد لحرية المالكي, فقد جاءت في أربعة محاور, ثلاثة منها تعكس ضمنيا لوما لرئيس الوزراء وعدم رضا عن سياساته.
فقد أكد التحالف علي ضرورة احترام الهيئات المستقلة: المفوضية المستقلة للانتخابات, والمصرف المركزي, وديوان الرقابة المالية, وهيئة النزاهة, وهيئة الإعلام والاتصالات.. وغيرها, وعدم التدخل في شئونها, وأكد علي رفضه التفرد في السلطة, وعلي تفعيل دور الشراكة الوطنية, في تعارض صارخ مع ما انتهجه رئيس الوزراء منذ توليه منصبه.
كما أكد التحالف علي رفض التدخل الخارجي في الشئون الداخلية العراقية. وكان رئيس الوزراء, استباقا للأحداث, قد بعث برسالة إلي رئيس المجلس النيابي, عن طريق خضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية, فحواها أنه سيلتزم باتفاقية أربيل.
فعلي المستوي الداخلي خلق التفرد بالسلطة وتجريد مفهوم ##حكومة الشراكة الوطنية## من محتواه, ومحاولات الهيمنة علي الهيئات المستقلة, احتقانات شديدة في العملية السياسية تهدد بانهيارها من جانب, وأوصلت العلاقات مع حكومة إقليم كردستان إلي حافة الاحتكاك العسكري المباشر, من جانب آخر. أما علي المستوي الإقليمي.
فقد تسببت التصريحات غير المسئولة التي يطلقها أفراد من كتلة دولة القانون حول بعض القضايا الخارجية, بتسميم العلاقات مع بعض دول الجوار, في الوقت الذي لو ترك الأمر لوزارة الخارجية لمعالجة هذه القضايا, وهي علي أية حال المرجع في شئون كهذه, لما وصلت علاقات العراق إلي هذه الدرجة من التشنج مع دول عربية, فور انفضاض مؤتمر القمة العربية التي عقدت في بغداد, ولما انحدرت العلاقة مع تركيا إلي هذا المستوي من التردي.
والحقيقة أن التحالف الوطني الذي يحتضن كتلة دولة القانون, ما كان له أن يسارع لعقد اجتماعه الطارئ لولا التخوف من تداعيات الأحداث الأخيرة, التي قد تتمخض عن إسقاط حكومة المالكي. فقد أعرب التيار الصدري, أكبر كتلة نيابية داخل التحالف الوطني, عن رغبته في إعادة النظر في تحالفاته لتصحيح مسارات العملية السياسية, ولم يخف رغبته في الخروج عن ثوابت هذه العملية.
والتحالف مع ائتلاف ##العراقية## ومع التحالف الكردستاني, واستخدام الآليات التي أقرها الدستور لحجب الثقة عن رئيس الوزراء وإسقاط حكومته, ليترأس الحكومة أحد المنتسبين لهذا التيار. والحقيقة أن الصدريين ليسوا الوحيدين في التحالف الوطني الذين سيقفون مع هذا التوجه, فقد عزلت دولة القانون نفسها عن أقرب حلفائها, بانتهاجها سياسة التفرد والاستئثار بالحكم.
سيكون للقرارات التي اتخذها التحالف الوطني في الاجتماع الذي أشرنا إليه, أهمية كبيرة علي مسار الأحداث في الفترة المقبلة, لأنها ستكون بمثابة اختبار لمدي قدرة هذا التحالف علي التأثير في رئيس الوزراء وحزبه, وقدرته علي الحفاظ علي وحدته في الوقت نفسه. فهذه القرارات تعني بكل بساطة, أن السياسات التي تنتهج مع القوي الأخري في العملية السياسية, لم تعد تقررها كتلة دولة القانون وحدها فحسب.
والحقيقة أن هذه الإجراءات, رغم ما تثيره من تساؤلات حول مدي انسجامها مع الدستور, تخفف بعض الشيء من الاحتقان في العملية السياسية. فقد أعرب التحالف الكردستاني, الذي أصبح هو الأكثر بعدا من غيره عن دولة القانون في الآونة الأخيرة, عن ترحيبه بهذه القرارات معتبرا إياها إيجابية.
من السابق لأوانه تصور أن التحالف الوطني قد نجح في حل الإشكالات الكثيرة في العملية السياسية, فالتنفيذ هو الفيصل في ذلك, وقد سبق أن توصلت القوي السياسية إلي اتفاقات عدة وضعت علي الورق أولا, ثم وضعت علي أحد الرفوف بعد ذلك ولم تجد طريقها للتنفيذ, وأبرزها اتفاقية أربيل. فالتنفيذ منوط برئيس الوزراء, وهو أمر غير مضمون, لأنه قد لا يلتزم بها بسبب النزعة الفردية للاستئثار بالسلطة.
من جانب آخر, لهذه القرارات أهداف عدة أخري, أبرزها الإصرار علي ألا تنتقل مبادرة صنع السياسات والأحداث إلي أطراف أخري خارج التحالف الوطني, وتحجيم الدور الذي يضطلع به حزب الدعوة, وقطع الطريق علي الصدريين وعدم السماح لهم بتولي قيادة العملية السياسية.
من المرجح أن يتم الإبقاء علي رئيس الوزراء في مركزه حتي نهاية الدورة الانتخابية في مارس 2014, فالدعوات لسحب الثقة من المالكي قد تراجعت في الأيام الأخيرة, وذلك لأن آلياتها لا تقل صعوبة عن آليات التعامل معه في الظروف التي لا تزال الاصطفافات الطائفية, هي التي تتحكم في مسارات القرارات السياسية الكبيرة. وقد نجح رئيس الوزراء العراقي في إجهاض ما يحاك ضده, في زيارته الأخيرة لإيران, وأن يوجه الأزمة القائمة في اتجاه آخر يبقيه في رئاسة الوزارة إلي حين.
نقلا عن جريدة البيان الإماراتية