“الدستور باق تتوارثه الأجيال وتحصد ثمار ما تم زرعه،بينما البرلمان لا محالة إلى زوال”هذه مقولة صرحت بها المستشارة تهانى الجبالى نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا وهى تبدى مخاوفها من مشهد استئثار
“الدستور باق تتوارثه الأجيال وتحصد ثمار ما تم زرعه،بينما البرلمان لا محالة إلى زوال”هذه مقولة صرحت بها المستشارة تهانى الجبالى نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا وهى تبدى مخاوفها من مشهد استئثار الأغلبية البرلمانية باختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور.بل أنها استطردت لتقول.˜قراءة المشهد السياسى تكشف عن سوء نية بأن هناك مايحاك فى ظل الإصرار على مشاركة أعضاء الشعب والشورى فى الجمعية بينما الواقع يتطلب ضرورة تحرير الجمعية التأسيسية من المسار البرلمانى”. على الجانب الآخر يصرح الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالةالذراع السياسى للإخوان المسلمينبأن الجدل حسم حول مضمون ومحتوى الدستور واتفقت كل القوى السياسية والأحزاب على الإطار الأساسى الثابت فى وثيقة التحالف الديموقراطى من أجل مصر ووثيقة الأزهر،ولا مجال للحديث عن تيار يحاول فرض معتقداته على الدستور.هذان التصريحان ومضى عليهما أكثر من شهر من الزمان ومع ذلك ما يزال مضمون كل منهما ماثلاً فى الصراع المحتدم فى الشارع وكافة الدوائر السياسية حول الجمعية التأسيسية للدستور.وأنا أميل إلى استبعاد احتمال لجوء الأغلبية البرلمانية إلى اختطاف الدستور لحساب أجندتها السياسية ومعتقداتها الخاصة لأن كل الشواهد تثبت أنها لن تستطيع الإفلات بذلك من ثورة الشارع وغضب واحتجاج سائر التيارات السياسية والثورية،ولكنى فى الوقت ذاته أقف عاجزاً عن تفهم أو قبول مسلكها فى الهيمنة على اختيارات أعضاء الجمعية التأسيسيةسواء من داخل البرلمان أو من خارجهوهو المسلك غير المبرر والذى يثير الشكوك والهواجس فى اتجاه النوايا الخفية لاختطاف الدستور.ولأنى أظل أبحث عن تفسير لهذا التناقض بين الأقوال والأفعال يراودنى أحيانا خاطر بأن الأغلبية البرلمانية تنوى صياغة دستور توافقى لمصر يصون حقوق كافة أطياف المصريين،ولكنها تود أن تفعل ذلك بنفسها وأن يسجل لها التاريخ ذلك دون تكبيل أو إلزام أو إملاء من أحد.لكن يأتينى الرد بأن ذلك الخاطر لايعدو أن يكون سذاجة سياسية لأن أمور الدساتير لا تؤخذ على هذا المنوال ولا يستقيم احتكار أى تيار سياسى أو عقيدى لها حتى وإن انتوى خيراً،بل يتحقق التوافق المطلوب من تمثيل الجميع ومشاركة الكافة والإجماع الشعبى وتساوى الأغلبيات مع الأقليات على المائدة الوطنية. فكرة الدستور التوافقى وتساوى الأغلبيات مع الأقليات على المائدة الوطنية يبدو أنها ماتزال مشوهة وغير راسخة فى مفهوم بعض القوى السياسية والأيديولوجية،فمقاومة التمثيل المتوازن لكافة أطياف الشعب تعكس خللاً مقلقاً مؤداه أن الأغلبية تقصى الأقليات أو أنها تمارس دوراً أبويا عليها،وهذا فى الحالتين مرفوض،كما أن حشد الأغلبية لممثليها وفرضها لاختياراتها يؤجج الشكوك فى أنها تتعامل مع مواد الدستور بما يخدم مصالحها وتطلعاتها وبما يؤمن تمريرها بموافقة الأكثرية وقمع الأقلية. إذاً ما العمل فى هذا المأزق السياسى.وكيف الخروج منه بأمان للتركيز على الهدف الأصلى وهو كتابة دستور جديد لمصر يتواءم مع تطلعات جميع المصريين ويحملهم نحو عصر الحداثة والتقدم.أتصور فى البداية أنه يلزم التوافق حول مبدأ˜التوافق”،فلا تمرير أو إجازة لمادة دستورية يعترض عليها أى فصيل أو يرى أنها لاتصون حقوقه فى المواطنة وحرياته المتساوية مع أقرانه فى الوطن.ولا محل إطلاقاً لإجازتها من خلال تصويت الأغلبيةفذلك يحدث فى التشريع وليس فى الدساتيرإذا نجحنا فى ترسيخ هذه الآلية بإقرار الجميع بالتمسك بها نكون قد قطعنا شوطاً مهما نحو طمأنة الأقليات وإزالة الهواجس من نفوس المتشككين. أيضاً يلزم قبل جلوس الجميعوأكرر الجميع إلى المائدة أن توضع على المائدة ثمار الجهود الوطنية التى توافقوا عليها باعتبارها تمثل الحد الأدنى لطموحاتهم والضمانات المطمئنة بأنهم لن يضلوا الطريق،والحمد لله أن باقة من هذه الجهود موجودة ومتوافق عليها وهى تتمثل فى وثيقتى الأزهر للحقوق والحريات ووثيقة التحالف الديمواقراطى من أجل مصر، ولعلى أضيف ثمرة أخيرة تناولتها فى هذا المكان فى.مارس الماضى وهى بيان النقاط العشر الصادر عن اللقاء المشترك بين قيادة الكنيسة الإنجيلية وقيادة جماعة الإخوان المسلمين والذى يسطر القيم والمبادئ الأساسية للجماعة الوطنية المصرية. أليس أمراً مؤسفاً أن نمتلك هذه الذخيرة الوطنية ونعترف بها،ونستمر نطلق التصريحات الوطنية الطيبة،لكن عندما يحين وقت العمل ننزع إلى فرض هيمنة الأغلبية وإظهار غرور القوة وانتهاج سبيل الفرز والتهميش والاستبعاد حتى نستنزف أنفسنا صراعاً وتشكيكا ورفضاً؟.ها نحن نعود مرة أخرى إلى ما سبق أن قاومناه.نعود إلى المبادئ الحاكمة للدستور وإلى المعايير الوطنية لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية. دون التمسك بذلك سوف يتعطل الدستور وستظل مصر فى حالة ثورة.