هل هناك من سبيل أمام أمريكا لترتيب خروج لائق ومشرف من أفغانستان دون أن تترك وراءها بلداً تعمه الفوضى ويعاني من عدم الاستقرار؟ الجواب على هذا السؤال يعتمد في جزء كبير منه على باكستان. فلو توقفت إسلام آباد عن توفير أماكن آمنة لـ”طالبان” أفغانستان وباقي المتطرفين داخل أراضيها فلا شك أن أفغانستان ستنعم في هذه الحالة بالاستقرار، وإلا فإن مستقبل أفغانستان سيظل قاتماً. كما أن حرب أمريكا المستمرة فيها ستنتهي لا محالة إلى الفشل، وإذا أردنا معرفة المزيد وفهم السبب لا بد من قراءة الكتاب الأخير للخبير بشئون باكستان، أحمد رشيد، بعنوان”باكستان على الحافة: مستقبل أمريكا وباكستان وأفغانستان”. والحقيقة أن الكتاب يكتسب أهمية قصوى في ظل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة حالياً لإصلاح العلاقة الملتوية مع باكستان، والتي شارفت على القطيعة النهائية بعدما أدى قصف طائرات أمريكية عن طريق الخطأ إلى مقتل 24 جندياً باكستانياً في شهر نوفمبر الماضي، وللحد من انزلاق الأمور صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، الجنرال “مارتن ديمبسي”، في الأسبوع الماضي بأنه يتطلع إلى إعادة ضبط العلاقات بين البلدين خلال الاجتماع المرتقب بين مسئولين عسكريين في البلدين، لكن من الصعب فهم كيف ستنصلح بها الأمور بين الجانبين في ظل التوتر المتنامي في العلاقات، فكما يشير “رشيد”، شهدت العلاقات الثنائية بين أمريكا وباكستان مشاكل متعددة منذ فترة طويلة والسبب في جزء كبير منه يعود، حسب الصحفي الباكستاني، إلى انعدام الصراحة التي تطبع معاملات البلدين، فباكستان تلوم السياسات الأمريكية التي يحملها المسئولون وزر الفوضى المستشرية في أفغانستان وتأثيرها على بلدهم. والحال أن المشكلة الأساسية تكمن في السياسة الباكستانية القائمة على دعم المتطرفين الإسلاميين مع ما يترتب على ذلك من تقويض أي تسوية سلمية، بل تهدد بإعادة اندلاع الحرب الأهلية، فمنذ 2001 وباكستان توفر الملاذ الآمن لفصائل “طالبان” الأفغانية وقاداتها، وذلك، كما يقول “رشيد”، لأن باكستان تتعامل مع “طالبان” كسد يحميها في أي صراع محتمل مع الهند، لذا ظلت السياسة الباكستانية طيلة الفترة الماضية ترتكز على التعامل المزدوج، إذ في الوقت الذي كان فيه الرئيس السابق، برويز مشرف، يتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية للقبض على عناصر “القاعدة” وقادتها، كان أيضاً يسلح ويدرب “طالبان” أفغانستان، ومن وجهة نظر المخابرات العسكرية الباكستانية لا يمكن الاعتماد على الرئيس الأفغاني لحماية المصالح الباكستانية لقربه من العدو الكبير المتمثل في الهند، والنتيجة أن المخابرات العسكرية سعت إلى إعادة حكم “طالبان” إلى أفغانستان لإحلال حكومة صديقة لباكستان في كابل، ويشير رشيد أنه “حتى عندما وافقت طالبان على التصالح مع حكومة كرزاي كانت عناصر الاستخبارات العسكرية الباكستانية تحضهم على تبني مواقف متشددة والاستمرار في التمرد”، بيد أن سياسة باكستان تلك ارتدت عليها، بحيث تأثرت “طالبان” باكستان بتشدد نظيرتها على الجانب الأفغاني من الحدود في المناطق القبلية المشتركة لتشرع في تهديد الدولة الباكستانية نفسها، وهو ما دفع بالجيش الباكستاني إلى التدخل، وبدلًا من معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تطرف “طالبان” الباكستانية ونشر أفكارها داخل المجتمع، ألقت الاستخبارات العسكرية الباكستانية باللائمة على السياسات الأمريكية في أفغانستان باعتبارها السبب الرئيسي لما تعانيه البلاد، هذا في الوقت الذي استمرت فيه الحكومة الباكستانية في إنكار وجود قادة “القاعدة” فوق أراضيها. هذه السياسة القائمة على الخديعة انفجرت في وجه باكستان عندما قتلت قوات أمريكية خاصة أسامة بن لادن في بلدة “أبوت آباد” حيث تقيم حامية عسكرية للجيش الباكستاني، وبالطبع من غير المتصور أن تكون الاستخبارات العسكرية على غير علم بإقامة بن لادن في المدينة، وهو ما يفسر عدم ثقة الجيش الأمريكي في نظيره الباكستاني وعدم إطلاعه على العملية، وفيما كان يتعين على باكستان الاعتذار للولايات المتحدة لوجود زعيم “القاعدة” فوق أراضيها سارعت هذه الأخيرة إلى صرف الانتباه عن هذه القضية وإثارة موضوع خرق السيادة الوطنية من قبل أمريكا، لذا فإنه من الصعب تصور إصلاح العلاقة بين باكستان وأمريكا في ظل انعدام الثقة السائدة بينهما، وهو ما يعيدنا إلى السؤال الأول عن السبيل لتجاوز المشاكل وتأمين واشنطن لخروج آمن من أفغانستان، في هذا الإطار يعتقد أحمد رشيد بوجود ثلاثة عناصر أساسية، أولاً انسحاب مدروس ومخطط له من أفغانستان، وثانياً التوصل إلى تسوية سياسية مع “طالبان”، وأخيراً مدى استعداد باكستان للجم التطرف الإسلامي، وفيما يتعلق بالنقطة الأولى يعترف رشيد بأن أمريكا فشلت في وضع رؤية استراتيجية واضحة للمنطقة بعد انسحاب قواتها المرتقب في 2014، وحتى في النقطتين الأخريين لا يبدو رشيد متفائلاً أيضاً، فطالما تتمسك الاستخبارات العسكرية الباكستانية بالتحكم في أفغانستان من خلال وكلائها مثل “طالبان” فإنه لا يرى أي فرصة لإنجاح مباحثات السلام بين الحكومة والمتمردين، مشيراً إلى ذلك بقوله “ما دام الجيش الباكستاني لم يحصل على ما يريد من تسوية سلمية في أفغانستان فإنه لا أحد سيصل إلى شيء في البلاد”، أما عن مدى استعداد الجيش الباكستاني للتعاون، فلا يرى رشيد إمكانية لذلك في ظل استمرار الاستراتيجية القديمة للجنرالات في باكستان والقائمة على التصدي للهند، وما لم يغير الجيش الباكستاني تفكيره التقليدي فلا أمل في تحسن العلاقات الأمريكية الباكستانية. إم. سي. تي. إنترناشونال