فى مثل هذا اليوم منذ ما يزيد على ألفى عام دخل السيد المسيح المدينة المقدسة أورشليم ليبدأ رحلة الآلام المقدسة التى اجتازها بإرادته محبة للبشرية جميعها فى كل المسكونة وعلى مر الأزمان. على أن احتفال الكنيسة والشعب القبطى بأكمله بآلام المسيح هذا العام يصاحبه آلام أخرى عديدة ومتنوعة، يأتى فى مقدمتها آلام الفراق بالجسد لراعينا وأبينا المحبوب والمطوب قداسة الأنبا شنودة الثالث.والقارئ لتاريخ هذا الحبر الجليل يدرك عن قرب معالم وتفاصيل رحلة الآلام التى مر بها إنسان وراهب وأسقف للتعليم ثم بطريركياً لكرسى الإسكندرية، تلك الآلام التى خبرها منذ الساعات الأولى لمجيئه إلى هذا العالم، عندما حرم دفء الأمومة وراحت نساء قرية سلام بأسيوط مسقط رأسه تلقمه أثداءها عوضاً عن ثدى أمه? تمر السنون وتتضاعف الآلام عندما يصبح نظير جيد بطريركياً للكرسى المرقسى يحمل على عاتقه أخطر مسئولية يمكن لبنى البشر أن يتحملها. ألا وهى رسالة خلاص الذات البشرية والعبور بها من آلام الزمان الحاضر إلى المجد العتيد الذى سينعم به المؤمنون فى أورشليم السمائية? حمل الأنبا شنودة صليب الخدمة الذى غدت الأحداث والضيقات تدق فيه يوماً بعد يوم مسماراً جديداً?? وعاش الأنبا شنودة الثالث أربعين عاماً ذاق فيها أبناؤه كثيراً من الضيقات والآلام. تشهد على ذلك، الخانكة، الزاوية الحمراء، الكشح .، الكشح .، أبوقرقاص، نجع حمادى، الإسكندرية، العمرانية، المقطم، صول، إمبابة، ماسبيرو. عاش الأنبا شنودة ورأى وسمع كل هذه الصرخات، فما كان منه إلا أن يرسلها للحبر الأعظم عبر الدموع والصلاة والصوم طارحاً كل هذا عند قدمى المخلص الذى ذاق قبلاً كأس الآلام من أجل كل إنسان بل من أجل أعدائه أولاً، فأعطى كليهما مثالاً حياً لثقافة المحبة والتسامح والغفران عوضاً عن ثقافة الكراهية والانتقام. ولم يختبر الأنبا شنودة آلام النفس وحدها بل عاش أيضاً آلام المرض الدفين الذى ينوء بحمله أى إنسان مهما بلغت قامته الروحية من عظم ورفعة. إلى أن أمر الجالس فى الأعالى بكتابة النهاية هنا على الأرض لتبدأ الرحلة الخالدة الأخرى رحلة الأبدية? وها نحن اليوم إذ نبدأ رحلة الآلام ونتذكر دخول مخلصنا لأورشليم تتوق أنفسنا إلى أورشليم السمائية، حيث اللقاء بحضن الأب السماوى وروح أبينا الطوباوى وكل من أحببناهم من الملائكة والشهداء والأبرار.