##إن تراجع جماعة الإخوان المسلمين عن قرارها المتعلق بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة يبرز الهيكل الداخلي الديكتاتوري لـ الجماعة وطموحاتها المتعطشة للسلطة, وكلاهما يؤديان إلي تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي في مصر.##
يوم السبت الماضي أعلنت الجماعة عن ترشيحها لـ ##نائب المرشد الأعلي## خيرت الشاطر لمنصب الرئيس مما يعزز حدوث تحول جوهري في استراتيجيتها السياسية. ورغم أن الإخوان المسلمين حاولوا في بادئ الأمر إدارة المرحلة الانتقالية لمصر ما بعد مبارك عن طريق التعاون مع ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## والأحزاب العلمانية, إلا أنهم يسعوا الآن إلي الحصول علي الهيمنة السياسية المطلقة. وتراجع جماعة الإخوان عن تعهدها المتكرر بعدم الدفع بمرشح رئاسي يشير أيضا إلي أنه لا يمكن الوثوق بها لو قررت أن هناك مصلحة بإمكانها أن تحققها. والأكثر من ذلك أن سعي الجماعة إلي الاحتكار السياسي يقوض فرص الديموقراطية في مصر ويهدد بتصعيد عدم الاستقرار السياسي – وهو سيناريو ينبغي أن يزعج صناع السياسة الأمريكيين بشكل كبير.
انهيار واجهة التعاون
عقب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير 2011 سعت جماعة الإخوان المسلمين إلي تهدئة مخاوف العلمانيين من استيلاء الإسلاميين علي السلطة عن طريق إقرار منهج سياسي تعاوني وإضفاء شكل معتدل علي سعيها للسلطة. وفي هذا الإطار قدمت الجماعة تعهدين علي وجه التحديد وهما: تنافسها علي أقل من نصف مقاعد الانتخابات البرلمانية النهائية, وعدم اختيارها مرشحا للرئاسة. وفي يونيو 2011, أكدت الجماعة علي التزامها بالتعاون عن طريق الانضمام إلي حزب الوفد العلماني لتكوين ##التحالف الديموقراطي الوطني## من أجل مصر, وهو تحالف انتخابي شمل في أفضل حالاته ثلاثة وأربعين حزبا.
غير أن ذلك المنهج التعاوني كان مجرد واجهة. ففي أكتوبر, ووفقا لما أوردته التقارير أصرت جماعة الإخوان علي أن يكون 40 بالمائة من مرشحي البرلمان في ##التحالف الديمقراطي## من صفوفها, وهو ما حفز علي انشقاق ثلاثين حزبا, من بينها حزب الوفد. وبعد ذلك بفترة وجيزة, تراجعت الجماعة عن تعهدها الأول, وترشحت في النهاية علي ما لا يقل من 77 بالمائة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي انتهت في يناير. ثم بعد فوزهم بأغلبية 47 بالمائة من الأصوات في تلك الانتخابات, ضمن الإخوان هيمنتهم علي الهيئة التشريعية عن طريق تعيين رؤساء – لأربع عشرة لجنة برلمانية من بين تسع عشرة لجنة في البرلمان المصري – يكونون متوافقين مع الجماعة.
كما قامت جماعة الإخوان المسلمين في الشهر الماضي بإبعاد الأحزاب العلمانية عن طريق احتكار ##الجمعية التأسيسية لوضع الدستور## المعينة من قبل الهيئة التشريعية, والتي ستتولي كتابة الدستور المصري القادم. وتم تعيين الزعيم السياسي لـ الجماعة ورئيس ##مجلس الشعب## سعد الكتاتني رئيسا لـ ##الجمعية التأسيسية لوضع الدستور##. وتضم هذه ##الجمعية## مائة عضو من بينهم خمسة وستون ينتمون إلي أحزاب إسلامية – 27 عضوا منهم هم من جماعة الإخوان و12 آخرين ينتمون إلي السلفيين. وفي المقابل, لم يتم حجز سوي 16 مقعدا للعلمانيين, و5 مقاعد للمسيحيين, و6 للنساء.
لقد حفزت أفعال الجماعة علي ظهور أزمة سياسية حادة. فعند افتتاح الجلسة الأولي لـ ##الجمعية التأسيسية لوضع الدستور## في 28 مارس, كان خمسة وعشرون عضوا قد استقالوا منها بالفعل احتجاجا علي تكوين ##الجمعية##, وبعد ذلك بفترة وجيزة استقال منها أيضا ممثلو الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية القبطية. ولم تظهر الجماعة سوي رغبة محدودة لضم مزيد من غير الإسلاميين لجعل ##الجمعية## أكثر شمولا. والواقع أن عضو البرلمان من قبل الجماعة صبحي صالح قد استنكر تلك الاستقالات وأعلن أن ##الجمعية## لن ##تقع رهينة لديكتاتورية الأقلية##.
انتهاء الوئام بين جماعة الإخوان و##المجلس الأعلي للقوات المسلحة##
ثبت أن التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين و##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## ضعيف إلي حد ما. فالوعد الذي قطعته عليها الجماعة في فبراير 2011 بعدم الترشح للرئاسة كان من ناحية بمثابة تعهد بعدم التنافس مع السلطة التنفيذية لـ ##المجلس العسكري##, وهو الأمر الذي كانت تخشي الجماعة من أن يؤدي إلي حدوث أعمال قمع علي غرار ما حدث في الجزائر. كما أن جماعة الإخوان طمأنت ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## عن طريق المساعدة في صياغة تعديلات دستورية مقترحة تضمنت برنامج ##المجلس## للتحول السياسي, ومن خلال دعم تلك التدابير في استفتاء مارس .2011 وعندما صعد الناشطون المؤيدون للديموقراطية من احتجاجاتهم لاحقا ضد الحكم القمعي من جانب ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة##, غالبا ما وقفت الجماعة جانبا وحدت إلي أقل درجة من انتقاداتها لـ ##المجلس العسكري##.
ويبدو أن ذلك الوئام تعزز عقب الانتصار الذي حققه الإخوان المسلمون في البرلمان, عندما عينت الجماعة جنرالا سابقا لرئاسة ##لجنة الدفاع والأمن القومي## التي تتسم بالحساسية. كما استخدمت جماعة الإخوان أغلبيتها التشريعية للحد من الانتقادات الموجهة إلي ##المجلس الأعلي##, علي سبيل المثال عن طريق التحقيق مع برلماني علماني لإهانته المزعومة لرئيس ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## المشير محمد حسين طنطاوي.
بيد, ساءت العلاقة في الشهر الماضي عندما طالب البرلمان بإقالة الحكومة التي عينها ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## بسبب رفع حظر السفر عن ناشطين أمريكيين من المنظمات غير الحكومية المؤيدة للديموقراطية. وتجاوزت الهيئة التشريعية سلطتها الدستورية بمعارضتها الضمنية لسلطة ##المجلس## التنفيذية التي تشمل سلطة تعيين الحكومة; وردا علي ذلك, راجت شائعات بأن ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## قد يعارض الشرعية الدستورية للبرلمان. وسرعان ما نشبت حرب كلامية بين الطرفين: فقد اتهمت جماعة الإخوان ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## بمحاولة ##إجهاض الثورة##, بينما ألمح ##المجلس## إلي أنه قد يقمع الإخوان مثلما فعل الجيش في ظل حكم جمال عبد الناصر في عام .1954
إن ترشيح جماعة الإخوان للشاطر لمنصب الرئيس يشكل تصعيدا إضافيا لهذا الصراع, حيث إنه يتحدي علانية السلطة التنفيذية لـ ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة##. وفي بيانها للإعلان عن ذلك القرار, اتهمت الجماعة ##المجلس## بإعاقة عمل البرلمان والضغط علي الأحزاب لترك ##الجمعية التأسيسية لوضع الدستور## ومحاولة الدفع بمرشح رئاسي يعيد تكريس الحكم الاستبدادي. وبالنظر إلي المخاطر السياسية والاقتصادية لـ ##المجلس الأعلي## في هذا الخلاف وسجله في قمع المنتقدين الآخرين, تهدد هذه المواجهة بزعزعة البيئة السياسية الضعيفة بالفعل في مصر.
دلالات للسياسة الأمريكية
كشفت جماعة الإخوان عن أهدافها الحقيقية بتراجعها عن وعدين سياسيين لطالما دأبت علي تكرارهما. واتضح أن أولويتها الأولي هي الهيمنة علي السياسات المصرية, وأنه لا يمكن الوثوق بأي ضمانات من جانبها تناقض ذلك. وعلاوة علي هذا, لم يكن المراقبون الغربيون وحدهم هم من تفاجأوا بترشيح الشاطر – فحتي مسئولو الإخوان من المستويات الوسطي أخذوا أيضا علي حين غرة – وهو ما يشير إلي أن عملية صنع القرارات لا تزال متركزة في أيدي مجموعة صغيرة نسبيا من القيادة العليا لـ الإخوان.
وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة تظهر الخطر الكامن في الهيكل الداخلي الديكتاتوري لـ جماعة الإخوان المسلمين وطموحاتها المتعطشة للسلطة. أولا, إذا فاز الشاطر بالانتخابات الرئاسية المقرر لها حاليا أن تجري في أواخر مايو, فمن المحتمل أن تمارس جماعة الإخوان الجريئة مزيدا من الضغوط حتي يتخلي الجيش عن العديد من مميزاته (مثل استقلال الميزانية والسيطرة علي الصناعات الكبري), وهو ما قد يمهد الطريق لحدوث مواجهة عنيفة. كما أن الاحتكار السياسي لـ جماعة الإخوان سيشجع كذلك علي وقوع احتجاجات مكثفة من جانب العلمانيين, الذين يتهمون الإخوان بالفعل بالتصرف علي غرار الحزب الحاكم السابق في عهد مبارك. وفي غضون ذلك, لا شك أن الجماعة سوف تستغل وضعها المهيمن لتنفيذ أجندة دينية قمعية, الأمر الذي سيؤدي إلي تفاقم التوترات الداخلية.
وبدلا من ذلك, إذا خسر الشاطر الانتخابات لصالح مرشح مدعوم من قبل ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة##, فمن المحتمل أن تزعم الجماعة بأن التصويت كان مزورا (والواقع أن الجماعة تتهم ##المجلس## بالفعل بالتخطيط لسرقة الانتخابات). وفي هذا السيناريو, يمكن أن يستغل الإخوان هيمنتهم البرلمانية للتقويض من شرعية الرئاسة والجيش علي حد سواء, مما سيسبب حدوث أزمة سياسية مطولة.
ومن الممكن أيضا أن يخسر الشاطر أمام المرشح الرئاسي السلفي حازم أبو إسماعيل. وفي هذه الحالة, سوف تصبح مصر فعلا ثيوقراطية تنافسية, وسيؤدي ذلك إلي إبعاد غير الإسلاميين ودفعهم إلي معارضة شرعية النظام الجديد أو الهجرة.
ويقينا هناك سيناريوهات أخري محتملة. بيد, من الصعب تصور سيناريو يعزز فيه سعي جماعة الإخوان للاحتكار السياسي من احتمالات الاستقرار في البلاد, نظرا للأيديولوجية الإقصائية لـ الجماعة وعزمها علي الهيمنة. وتواجه مصر أزمة اقتصادية حادة يمكن أن تؤدي إلي إفلاسها في وقت لاحق من هذا العام. إن الصراع المستمر علي السلطة بين جماعة الإخوان و##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## قد يحول ذلك البلد الفقير الذي يبلغ تعداد سكانه 80 مليون نسمة إلي دولة فاشلة. وبالنسبة لواشنطن قد يكون ذلك السيناريو هو الأسوأ, حيث سيهدد الجهود الرامية إلي تحقيق مصالح أمريكا الرئيسية الثلاثة في مصر وهي: التعاون الاستراتيجي والتعددية السياسية والسلام الإقليمي.
وفي الوقت ذاته, فإن الدمج بين السلطة التشريعية والتنفيذية سوف يزيد من صعوبة تهرب الجماعة من المسؤولية السياسية الداخلية. ويمثل ذلك فرصة سياسية هامة لواشنطن. وبينما تنظر جماعة الإخوان – لا محالة – إلي الخارج للحصول علي الدعم والمساعدة, يمكن أن تشرط واشنطن إرادتها علي سلوكيات الجماعة لضمان المستقبل الاقتصادي لمصر. وعلي وجه التحديد, يجب أن تعمل إدارة أوباما مع حلفائها الدوليين لوضع حزمة مساعدات اقتصادية جديرة بالثقة يتم توزيعها تدريجيا, ويكون ذلك فقط طالما تصرف الإخوان بطريقة مسئولة وساعدوا في تطوير مؤسسات سياسية أكثر شمولية. يجب علي واشنطن أن تستخدم المساعدات العسكرية بطريقة مماثلة لجعل ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## يتحمل مسئولياته ويمكن محاسبته.
معهد واشنطن