رحل البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عن عالمنا عن عمر يناهز 88 عاما بعد هبوط حاد في الدورة الدموية و توقف عضلة القلب ، رحل تاركا شعب الكنيسة يعانى من الحزن والألم
رحل البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عن عالمنا عن عمر يناهز 88 عاما بعد هبوط حاد في الدورة الدموية و توقف عضلة القلب ، رحل تاركا شعب الكنيسة يعانى من الحزن والألم لفراق أبيهم المحبوب ورفقهم فى درب الحياة المليئة بالعديد من التحديات والمخاوف بعد أن ظل يخدمهم لمدة أكثر من أربعين عاما متفانيا فى عطاءه ومحبته لوطنه وكنيسته.
ورغم كل تلك الأحزان التى تناب الصدور إلا أن قداسة البابا شنودة لم يتركنا يتامى، وإذا كان فرقنا بالجسد فستظل كلماته تدوى فى مسامعنا وستظل أشعاره نرددها لنستلهم منها الإيمان والمحبة والسلام والقوة والمعونة والصمود فى وجه قوى الشر التى تحيط بنا.
ومن أجمل ما تركه لنا البابا شنودة من أشعار قصيدة ” أبواب الجحيم ” التى يوحها كلماتها إلى الكنيسة فما أحوجنا اليوم إلى أن نتذكرها علنا تدخل إلى قلوبنا بعض الطمأنينة والثقة فى عمل الله لنا فى تلك الظروف العصيبة التى نمر بها الآن حيث تقول الأبيات الأولى منها :
كم قسا الظلم عليك .. كم سعى الموت إليك
كم صدمت باضطهادات..و تعذيب و ضنك
كم جرحت كيسوع .. بمسامير و شوك
عذبوك و بنيك .. طردوك و نفوك
ورميت بأكاذيب .. وبهتان وافك
عجبا كيف صمدت ….ضد كفران و شرك
هو صوت ظل يدوي.. دائما في أذنيك
يشعل القوة فيك.. حين قال الله عنك
إن أبواب الجحيم..سوف لا تقوى عليك
وفى تلك اللحظة المؤلمة ونحن نرى جسده الطاهر موضوع على الكرسى الباباوى لمدة ثلاثة أيام ليتبارك منه شعب الكنيسة نتذكر إحساس سيدنا بالغربه فى العالم الذى تركه وذهب إلى البرارى ليعيش وحيدا متعبدا لله ، وهذه المشاعر ظهرت جلية فى قصيدته التى كتبها عام 1946 تحت عنوان ” غريب ” وتقول الأبيات الأولى منها :
غريباً عشت في الدنيا.. نزيلا مثل ابائى
غريباً في أساليبي .. وأفكاري أهوائي
غريباً لم أجد سمعاً.. أفرغ فيه آرائي
يحار الناس في ألفي.. ولا يدرون ما بائي
يموج القوم في مرج..وفي صخب وضوضاء
وأقبع هنا وحدي..بقلبي الوادع النائي
غريباً لم أجد بيتاً.. ولا ركنا ً لإيوائي
تركت مفاتن الدنيا.. ولم أحفل بناديها
ورحت أجر ترحالي .. بعيداٍ عن ملاهيها
خليَ القلبِ لا أهفو.. لشيءٍ من أمانيها
نزيه السمع لا أصغي.. إلي ضوضاء أهليها
أطوف ههنا وحدي.. سعيداً في بواديها
عاش البابا شنودة كراهب في مجتمع الرهبان بالدير يميل إلى الوحدة والصمت يعتكف في قلايته طول الأسبوع، ثم يتقابل مع الرهبان في قداس الأحد، ثم يعود ليتوحد في البيداء بعيدا عن الناس يعيش مع الله فى توحد كامل وهنا نسمع قصيدته ” سائح ” التى تقول كلماتها
انا في البيداء وحدي .. ليس لي شأن بغيري
لي جحرُ في شقوق التل.. قد أخفيت جحري
وسأمضي منه يوماً .. ساكنا ما لست أدري
سائحاً أجتاز في الصحراء .. من قفر لقفر
ليس لي دير فكل البيد .. والآكام ديري
لا ولا سور فلن يرتاح .. للأسوار فكري
أنا طير هائم في الجو .. لم أشغف بوكر
أنا في الدنيا طليق.. في إقامتي وسيري
أنا حر حين أغفو.. حين أمشي حين أجري
وغريب انا أمر الناس .. شيء غير أمري
ومن الجدير بالذكر أن الطفل “نظير جيد” ولد يتيم الام فى 3 اغسطس عام 1923 فى قرية سلام بمحافظة أسيوط ، ولعل قيام جميع سيدات القرية بإرضاعه خلقت بداخله حب لجميع الناس، وقرر والده أن يلحقه بمدرسة فى القاهرة ، واستمر ” نظير ” يتقدم فى دراسته إلى أن حصل على ليسانس الآداب عام 1947 بإمتياز ، ولكن نفسه الطواقة إلى الأمور الروحية جعلته يلتحق بالكلية الاكليريكية ، ويترك وظيفته كمدرس ويتفرغ للدراسات الدينية ، ورأس تحرير مجلة مدارس الأحد ، إلى أن تمت سيامته راهبا فى دير السريان العامر عام 1954 باسم الراهب “أنطونيوس السريانى” ، وبعد أن قرر أن يعيش حياة الوحدة فى البرية ، جاء اختيار المتنيح البابا كيرلس له كسكرتير لقداسته ، ثم سيامته اسقفاً للتعليم والكلية الاكليريكية باسم الانبا شنودة فى عام 1962 ، وبعد اقل من عشر سنوات اختارته القرعة الهيكلية لتعلن إرادة السماء أن يكون البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وكان ذلك فى عام 1971 .
إ س