####ما يزال الجيش السوري الحر في المعركة وينبغي دعمه وتسليحه لمواصلة الضغط العسكري علي النظام.##
إن استمرار هجوم النظام السوري علي قوات الجيش السوري الحر الذي بدأ في أواخر يناير 2012 قد ترك لدي الكثيرين انطباعا بأن النظام يكسب الحرب وأن المعارضة المسلحة في طريقها إلي الهزيمة. لكن واقع هذه الحرب – مثل معظم الحروب – هو أنها تشهد تقلبات دائمة حيث يتمتع أحد الطرفين بميزة في القتال في أوقات مختلفة. ففي يناير بدا أن تشكيلات الجيش السوري الحر تكسب مزية في العديد من المواقع بينما بدا النظام في وضع دفاعي. ويبدو الآن أن النظام أصبحت له اليد الطولي حيث ##تتراجع## تشكيلات الجيش السوري الحر علي جميع الجبهات. ومع ذلك, لم يتعرض الجيش السوري الحر ##للهزيمة## أو ##الفرار## كما أن النظام لم يكسب المعارك في العمليات القتالية. إن التوقعات بأن الجيش السوري الحر يستطيع أن يواجه جيش النظام في معركة مفتوحة ويكسبها ليست في موضعها وغير واقعية وتتعارض مع الطريقة التي خاض بها الجيش السوري الحر الحرب. فـ الجيش السوري الحر هو قوة وليدة وليس قوة نشأت بتدرجات مكتملة وبمقدرة كاملة أفرزها إلحاح التمرد. فلديه نقاط ضعف كبيرة لكنه مع ذلك مرن وتنمو قدراته باستمرار. وقد غير الجيش السوري الحر طبيعة الصراع في سوريا, وإذا ما حصل علي المساعدات الملائمة يمكن أن يصبح بصورة متزايدة جزءا مهما من الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية لدحر النظام.
حالة الجيش السوري الحر
لم تتعرض قوات الجيش السوري الحر للهزيمة من خلال هجمات النظام أثناء فصل الشتاء. ففي حين تعرضت هذه القوات لخسائر في الأرواح وأجبرت علي ترك مناطق سيطرت عليها سابقا إلا أنها لم تنزع سلاحها أو تهزم (كما ذكر آنفا) أو حتي تبدي علامات علي ضعف المعنويات. ورغم ما ظهر من تراجعات في فبراير و مارس إلا أن الجيش السوري الحر قد حقق مكاسب هامة.
إن العلاقة بين الشعب في الشارع والجنود الأحرار المسلحين هي مركز ثقل الجيش السوري الحر بل في الواقع مركز ثقل الثورة نفسها. ولا يستطيع الجيش السوري الحر أن يتواجد بدون دعم مادي ومعنوي من الشعب, وقد حاز حتي الآن علي هذا الدعم. وهناك القليل من الأدلة أو ربما لا توجد أدلة علي أن السكان في المناطق التي حارب فيها الجيش السوري الحر قد تخلوا عنه أو ألقوا عليه باللائمة عن الموت والدمار الذي لحق بهم علي يد قوات النظام. فالمظاهرات الشعبية لدعم الجيش السوري الحر ما تزال تجري في مختلف أنحاء البلاد, وهو الحال بالنسبة للاحتجاجات السلمية ضد النظام.
ويبدو أن عناصر الجيش السوري الحر قد أدركت الحاجة إلي قيام مستوي أكبر من التعاون والتنظيم سواء داخل سوريا أو خارجها. فداخل سوريا هناك أدلة علي التعاون المتزايد بين تشكيلات الجيش السوري الحر. وقد ظهرت المجالس الإقليمية أو المحلية العسكرية في دمشق وحلب ودرعا وحماة بينما تم الإعلان مؤخرا عن تشكيلات بحجم ألوية في محافظتي حلب ودير الزور. إن ذلك يؤشر علي ظهور هياكل قيادة علي مستوي أعلي داخل سوريا بين التشكيلات الفردية وفي مقر قيادة الجيش السوري الحر الاسمية في تركيا. ويبدو أيضا أن عمليات الكتائب المتعددة والتعاون بين الكتائب آخذ في التصاعد. وهناك كتائب تنتسب إلي بعض الألوية كما أن العديد من السرايا تنتسب إلي هذه الكتائب. وعلاوة علي ذلك ترتبط بعض الكتائب والألوية بشكل واضح بقيادة الجيش السوري الحر في تركيا, علي الرغم من أنه يبدو ببساطة بأن الكثير من الكتائب تعمل تحت مظلة الجيش السوري الحر. وتوجد أيضا أدلة علي التعاون الوثيق بين عناصر الجيش السوري الحر في حمص والمعارضة السياسية المحلية. أما خارج سورية فإن فرص الاندماج الأفضل للمعارضة المسلحة والأخري غير المسلحة تبدو أيضا في تحسن حيث يتردد أن المجلس الوطني السوري و الجيش السوري الحر يتجهان نحو تعاون أكبر. ومن المهم أن يتطور الجيش السوري الحر من كونه مجموعة من الكتائب هي في أغلبها مستقلة عن بعضها إلي قوة أكثر اندماجا وهيكلة وجاهزية للتوجيه السياسي والعسكري الأعلي, ولذا فإن كل هذه العلامات تبشر بالأمل.
والجيش السوري الحر ليس كله لغزا, فقدر كبير من المعلومات معروف عن بعض تشكيلاته علي الأقل. فهناك وحدات مثل كتيبة خالد بن الوليد وكتيبة الحمزة في الرستن وكتيبة الفاروق في حمص قد أقامت مناطق عمليات وسجلات قتال مطولة وقادة معروفون, بعضهم بقي في القيادة لعدة أشهر. ومنذ نهاية يناير أعلنت أعداد متزايدة من عناصر المقاومة المسلحة عن وجودها أو تم تحديدها علي أنها داخل سوريا وقد بلغ مجموعها حوالي الستين في الفترة ما بين 1 فبراير و 17 مارس. علي أن الكثير من هؤلاء ربما يكون بقاؤهم قصيرا والبعض ليسوا مرتبطين بـ الجيش السوري الحر لكن يبدو أن عددا منهم لديه قاعدة وجود حقيقية إلي حد ما. ويزيد نموهم بفضل الانشقاقات المستمرة من قوات النظام.
وتتعلم وحدات الجيش السوري الحر الآن كيفية مقاتلة النظام. فمن الناحية التكتيكية تقوم بالكثير من الأشياء الصحيحة, حيث تتكرر الهجمات علي نقاط أو مواقع النظام المكشوفة وغالبا ما تظهر بأنها ناجحة إذ تؤدي إلي تدمير المعدات والاستيلاء علي أسلحة وذخيرة وقتل أفراد النظام أو إصابتهم بجروح. وتؤدي هذه الأعمال أيضا إلي حدوث انشقاقات من جانب قوات النظام. إن التكتيك المفضل هو نصب كمائن للمركبات واستهداف المواكب بالنيران المباشرة أو استخدام العبوات الناسفة لتعطيل خطوط الاتصالات الطويلة والصعبة. ويتردد أن العبوات الناسفة هي المستخدمة بازدياد, وقد بدأت عناصر الجيش السوري الحر في استخدام العديد من العبوات الناسفة ضد مركبة واحدة لزيادة فرص تدميرها. وقد شوهدت حاليا الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات لدي عناصر من الجيش السوري الحر في محافظات إدلب وحماة ودرعا مما يمثل زيادة في القدرات المضادة للمدرعات علي حساب قذائف الدفع الصاروخية الـ ##آر بي جي## المنتشرة جدا والتي ما تزال فعالة. وفي تطور أخير دمرت عناصر الجيش السوري الحر معبرا في محافظة درعا مما يؤكد فهمها لأهمية نظام الطرق بالنسبة للتحرك الاستراتيجي والعملياتي لقوات النظام.
وقد أثبتت وحدات الجيش السوري الحر مرونتها. ففي حين إنها غير قادرة علي الوقوف ضد الأعداد الغفيرة والنيران الكثيفة التي يستطيع النظام استخدامها متي شاء إلا أن تشكيلات الجيش السوري الحر قد أثبتت كفاءتها في تجنب التدمير بينما تلحق في الوقت نفسه خسائر بالنظام. ولو أجبرت علي الانسحاب من منطقة معينة فإنها تعيد الانتشار في منطقة أخري أو تعاود الظهور عندما تنتقل قوات النظام. وقد كان هذا هو النموذج المطبق منذ بداية المقاومة المسلحة.
مشاكل الجيش السوري الحر
رغم نجاحاتها ومرونتها إلا أن تشكيلات الجيش السوري الحر ما تزال تعاني من مشاكل كبيرة. وبادئ ذي بدء هي غير قادرة علي مضاهاة قوة نيران العدو إلا في اشتباكات صغيرة علي مستوي الوحدات مثل هجمات علي نقاط التفتيش ونصب الكمائن. وفي الاشتباكات الأكبر التي يستطيع فيها النظام حشد القوات وجلب المدرعات والمدفعية, تصبح تشكيلات الجيش السوري الحر عاجزة عن الصمود لفترة طويلة. والذي يزيد في هذا النقص هو عدم توفر إمدادات ذخيرة مضمونة. ويتردد أن تشكيلات الجيش السوري الحر تعاني من نقص أو نفاد الذخيرة في عدد من المعارك ضد قوات النظام.
ورغم تحسن القيادة والتحكم إلا أنه ما تزال هناك نقطة ضعف لدي الجيش السوري الحر سواء من القيادة في تركيا أو الألوية والكتائب في سوريا أو داخل الألوية والكتائب نفسها. وما تزال تبدو قيادة الجيش السوري الحر وهي تقدم التوجيهات أكثر من ممارستها السيطرة. كما لا يبدو أيضا أن ألوية الجيش السوري الحر وكتائبه هي هياكل مندمجة بإحكام أو أنها تقوم بالتنسيق أو التعاون مع الوحدات المنتسبة لها بدلا من القيادة والتحكم فيها بالمعني التقليدي. والعدد المتزايد للتشكيلات المرتبطة بـ الجيش السوري الحر هي نفسها تفرض تحديا من حيث الاندماج وتنسيق أنشطتها. وعلاوة علي ذلك فإن تطور هياكل القيادة المتوسطة المستوي داخل سوريا (مجالس وألوية) تشير إلي إمكانية حدوث نزاعات في المستقبل بين مجموعات قيادة الجيش السوري الحر الداخلية والخارجية.
وقد أدت نقاط الضعف في القيادة والتحكم إلي وقوع سلسلة من ##المعارك الفردية##, تحارب فيها كل كتيبة بصورة منفردة أو بأدني تعاون من الكتائب الأخري حتي تلك الموجودة في نفس المناطق. ورغم أن هذا الوضع قد بدأ في التغير كما ذكر في وقت سابق إلا أن ثمة حاجة واضحة لتحسين القيادة والتحكم.
إن الاستقلال النسبي لتشكيلات الجيش السوري الحر يخلق الفرصة لارتكاب سلوك سيء من جانب وحدات محلية. ونظرا للعدد المتزايد من التشكيلات المرتبطة بـ الجيش السوري الحر وكذلك منظمات الدفاع المحلية وبعض العناصر القتالية الإسلامية المحتملة فلن يكون من المفاجئ ظهور انتهاكات لحقوق الإنسان علي يد قوات المقاومة المسلحة.
إن وحدات الجيش السوري الحر ليست قوات ميدانية بل هي في المقام الأول قوي محلية مرتبطة بمدينة أو منطقة داخل محافظة. وحتي الآن لم تظهر هذه الوحدات المقدرة علي إعادة الانتشار عبر المحافظات أو الاحتشاد للعمليات رغم إظهارها بعض المقدرة علي المناورة العملياتية, وذلك لتجنب تدميرها من قبل قوات النظام في المقام الأول. إن هذه القدرة المحدودة علي المناورة تجعل من الصعب علي الوحدات استغلال حاجة النظام لنشر قواته في جميع أنحاء البلاد – مما يخلق بذلك نقاط ضعف محتملة – أو مساعدة غيرها من وحدات الجيش السوري الحر.
لقد وقعت وحدات الجيش السوري الحر في أخطاء عملياتية. فمعركة ضواحي دمشق في يناير 2012 التي تحدت فيها تشكيلات الجيش السوري الحر مباشرة النظام بالاستيلاء علي مناطق قريبة من مركز العاصمة ربما كانت مثالا علي ذلك. وكانت أخطاء مماثلة أخري هي استيلاء الجيش السوري الحر علي مناطق مثل الزبداني وأجزاء من حمص وإدلب وكذلك استيلاؤه علي جيوب معزولة من الأرض – علي الرغم من أنها أحرجت النظام – مما أتاح لقوات النظام التعامل مع وحداته بشكل متعاقب وحشد القوات وتقليل كل جيب بالتسلسل.
وكما ذكر سابقا تعتمد وحدات الجيش السوري الحر علي دعم السكان لكن وجودها بين السكان – سواء في المدن أو الريف – يعرض الناس لهجمات النظام الذي تقوم قواته بعمليات الحصار والقصف والهجوم علي المناطق التي هي في حوزة وحدات الجيش السوري الحر أو في المناطق التي يتواجد فيها الجيش السوري الحر. وتهدف هذه التكتيكات ليس فقط إلي تدمير تشكيلات الجيش السوري الحر بل أيضا إلي معاقبة الناس وتقليل دعمهم لـ الجيش السوري الحر.
قياس فعالية الجيش السوري الحر
بالنظر إلي أن مجريات المعركة في سوريا من المرجح أن تواصل التحول فكيف ينبغي قياس فعالية الجيش السوري الحر؟ إن المقاييس المباشرة تشمل اتجاهات في الفعالية القتالية لـ الجيش السوري الحر وقدراته العملياتية ونموه وتماسكه التنظيمي ونطاق أنشطته (مناطق عملياته وأعداد اشتباكاته) والدمار الذي يلحقه بقوات النظام. ووفقا لهذه المقاييس نجد أنه يتحسن الآن من حيث الفعالية.
وتتعلق المقاييس غير المباشرة برد الفعل الذي يستقبله الجيش السوري الحر من الناس والنظام والمجتمع الدولي. وفي الواقع, كان الجيش السوري الحر قادرا علي كسب وامتلاك تأييد الشعب في المناطق التي يعمل بها رغم محاولات النظام كسر هذا الرابط. إن جهود النظام التي تتزايد عنفا من أجل سحق الجيش السوري الحر هي نفسها مرآة لفعالية الجيش السوري الحر. وفي اضطراره لإلزام القوات علي مستوي الفرقة أو ما هو أكبر بدفع الجيش السوري الحر إلي خارج ضواحي دمشق والزبداني وحمص أظهر النظام رؤيته لـ الجيش السوري الحر كونه يشكل تحديا خطيرا. غير أن نقص الدعم الكبير من المجتمع الدولي لـ الجيش السوري الحر – علي الرغم من أن ذلك لا يتعلق فقط بنقاط ضعفه – هو مقياس سلبي لفعاليته مما يعكس مشاكل الوحدة والهوية والتنسيق مع المعارضة السورية الخارجية. وعلي نطاق أوسع, فإن التوقعات بشأن أداء الجيش السوري الحر ينبغي أن تكون واقعية وغير مبنية علي أحدث العناوين الرئيسية سواء كانت تنبئ بحصول فوز أو حدوث خسارة لـ الجيش السوري الحر.
الدلالات
في هذه المرحلة من الحرب يصبح مركز جهد الجيش السوري الحر في سوريا – حيث تحارب تشكيلاته ضد النظام – وليس قيادة الجيش السوري الحر في تركيا. وتحتاج هذه التشكيلات إلي تعزيزها وتقويتها لكي تظل في المعركة وتلحق المزيد من الخسائر والجهد بقوات أمن النظام وجيشه. ويبدو أن هناك وحدات وقادة أكفاء في الجيش السوري الحر. ويمكن أن يتدفق الدعم إليهم إلي أن تصبح القيادة ذات المستوي الأعلي فعالة أو تتطور هياكل قيادة عليا مؤهلة داخل سوريا. وأيا ما كان مصدر القلق لدي الدول الغربية وبقية المجتمع الدولي حول الجيش السوري الحر وتشكيلاته فإنه ينبغي حله عن طريق الاتصال – السري إذا لزم الأمر- فضلا عن جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها. وأخيرا ينبغي تسليح الجيش السوري الحر ليس لدحر النظام في حد ذاته بل كجزء من استراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية للإطاحة بالنظام.
جيفري وايت هو ضابط كبير سابق في الاستخبارات الأمريكية وزميل دفاع في معهد واشنطن, متخصص في الشئون العسكرية والأمنية لدول المشرق العربي وإيران
معهد واشنطن