قطاعات متعددة من المجتمع تعيش حالة خوف وتوجس من سيطرة التيارات الإسلامية علي مقاليد الأمور….انتخابات الشعب والشوري أتت بأغلبية تنتمي إلي هذه التيارات سواء كانت الإخوان المسلمين أو السلفيين…الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور تمر بحالة مخاض عنيف قبل أن تولد تحسبا من سيطرة ذات التيارات عليها وعلي مقدرات الدستور
قطاعات متعددة من المجتمع تعيش حالة خوف وتوجس من سيطرة التيارات الإسلامية علي مقاليد الأمور….انتخابات الشعب والشوري أتت بأغلبية تنتمي إلي هذه التيارات سواء كانت الإخوان المسلمين أو السلفيين…الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور تمر بحالة مخاض عنيف قبل أن تولد تحسبا من سيطرة ذات التيارات عليها وعلي مقدرات الدستور…والآن وقد فتح الباب لترشيحات رئيس الجمهورية ننتقل إلي شد وجذب من نوع آخر حول هوية المرشحين-مدنية أم دينية-والتيارات التي تقف خلف كل منهم لتؤازره,ولمن يكون الفوز في سباق الرئاسة.
من الواضح -ورغم كل التجاوزات-أن نتائج الانتخابات البرلمانية تعطي مؤشرات قوية عن مزاج الشارع المصري ونتائج صندوق الانتخابات التي تميل نحو تأييد المرشح ذي الهوية الإسلامية والمؤيد من أحد القطبين الإسلاميين:الإخوان بذراعهم السياسية حزب الحرية والعدالة أو السلفيين بذراعهم السياسية حزب النور…إذا ما العمل إزاء هذا الواقع وكيف يمكن التعامل مع أولئك القادمين الجدد للساحة السياسية بعدما ترسخت أقدامهم ولم يعد ممكنا إقصاؤهم أو تجاهلهم مثلما فعل النظام السابق وجهازه الأمني.
ألمحت في أكثر من مقال سابق أن استيعاب هذا المشهد وبلورة رؤية لكيفية التعامل معه يبدأ عند قبول الواقع الجديد ويتطلب التخلص من موروث الرفض والشك وعدم الثقة,والانتقال إلي التواصل والحوار والمشاركة مع التيارات الإسلامية…صحيح أنه ماتزال هناك مبررات للتوجس لكن الجلوس إلي مائدة وطنية تجمعنا هو الكفيل بتجاوز الهواجس,وبقدر الارتباط بحوار مشترك وصياغة مبادئ متفق عليها نستطيع أن نرتكن إلي رصيد من الاطمئنان والثقة…لذلك أجد أن من يسرف في الحديث عن النوايا الخفية والأجندات غير المعلنة لدي التيار الإسلامي وضرورة-التحوط منها إنما يعطل المشاركة ويحصر نفسه في دائرة المشكلة بينما من يتسلح بشجاعة المبادرة للتواصل مع التيار الإسلامي ينتقل إلي دائرةالحلالتي تستحق عناء وشرف المحاولة.
وفي سياق رصد العلاقات الإيجابية التي تزرع الأمل في مصر الجديدة الدولة الحديثة التي تأخذنا إلي رحاب المستقبل, سبق أن تناولت بارتياح كبير الوثيقتين الصادرتين عن مؤسسة الأزهر واللتين ترسخان أسس الدولة الديموقراطية والحريات والفكر والإبداع, وستظل هاتان الوثيقتان بمثابة حجر الأساس التنويري الذي يطمئن به الأزهر المصريين بأن الحضارة والأصالة والوسطية المصرية لن يتم اختطافهم لحساب التشدد أو التطرف أو الأصولية.
لكن يظل دعاة التشكك يتساءلون:هذا عن الأزهر,لكن ماذا عن الإخوان؟الإجابة علي هذا السؤال جاءت في صورة مبادرة كريمة متبادلة بين قيادات الكنيسة الإنجيلية في مصر وقيادات جماعة الإخوان المسلمين أسفرت عن لقاء جمع القيادتين وضم أقطابا من الجانبين في 28فبراير الماضي حيث تناول اللقاء الكثير من القضايا التي تهم المصريين في هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر وأسفر عن إصدار بيان مشترك يعكس الاتفاق علي القيم والمبادئ الأساسية للجماعة الوطنية المصرية والحرص علي أن مستقبل مصر يظل مرهونا بتماسك المجتمع ووحدته…وقد اشتمل البيان علي عشر نقاط كمايلي:
..كل أبناء الوطن شركاء في مصير واحد ومستقبل واحد.
..النضال المشترك لأبناء مصر بكل فئاتهم والذي تجلي في ثورة يناير يمثل الركيزة الأساسية لوحدة المجتمع,وتعد المواطنة الكاملة القائمة علي المساواة القاعدة الأساسية للبناء السياسي.
00كل أبناء الوطن لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات طبقا لأحكام الدستور والقانون,فالمساواة بين الجميع تمثل عماد وحدة المجتمع,والكفاءة المعيار الوحيد لتقلد الوظائف العامة,والمساواة في الفرص الاقتصادية قاعدة أساسية للعدالة.
00يقوم المجتمع المصري علي التضامن والتكافل والتراحم بين جميع أبنائه,وهو ما يمثل الرابطة العضوية التي تضمهم جميعا دون تفرقة,مما يوجب أن تقوم العملية التعليمية علي نشر قيم التسامح والتضامن وقبول التعددية.
00احترام العقائد والمقدسات واجب علي الجميع,والتصدي لأي ازدراء بعقائد الآخرين أو الحض علي كراهيتهم مسئولية اجتماعية ملزمة لكل مخلص للوطن.
00ممارسة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وبناء وترميم دور العبادة حق لأصحاب كل ديانة في ضوء القانون المنظم لذلك,مع حق أصحاب كل ديانة في الاحتكام لشرائعهم في أحوالهم الشخصية,وهذا وغيره مما تكفله الشريعة الإسلامية يمثل جزءا أصيلا من قيم المجتمع المصري وأساسامن أسس أصالته الحضارية.
..مشاركة كل أبناء الوطن في الدفاع عنه واجب علي الجميع,وهو البوتقة التي صهرت كل فئات المجتمع معا وصنعت وحدته الوطنية في مواجهة أعداء الوطن.
..تمثل القيم الدينية الأصيلة أهم دوافع النهضة من أجل تحقيق المستقبل المنشود.
..علي كل القيادات والمؤسسات والحركات الدينية محاربة كل أشكال التعصب والفتن والتمييز وتعضيد وحدة المجتمع وسلامته.
..تمثل الهوية المصرية الحضارية للمجتمع إطارا جامعا لكل أبنائه, ساهم فيه الجميع وأصبح ميراثا لهم جميعا,وتعد حماية القيم العليا للمجتمع أساسا للحفاظ علي تميزه الحضاري,وواجب علي أبنائه الذين صنعوا حضارته مشتركين علي مدي قرون.
…إذ أعرض تفصيلا لهذا البيان الذي جاء ثمرة لمبادرة شجاعة جمعت الكنيسة الإنجيلية بالإخوان المسلمين,أهدف إلي تسجيل مضمونه الوطني الطيب الذي بالقطع يزرع الأمل والتفاؤل والطمأنينة أمام المصريين ويقدم إجابات واضحة تزيل الشكوك والهواجس المترسبة لدي البعض ويضاف علي الرصيد التنويري الذي أطلقته مؤسسة الأزهر كنبراس للعمل الوطني في المرحلة المقبلة…هكذا نغادر دائرةالمشكلة وندخل دائرةالحل.