وصف الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة ما يحدث الآن في تشكيل لجنة وضع الدستور بأنه ##عك دستوري##, وهو تعبير مصري صميم يفيد اختلاط الحابل بالنابل, مما يجعل الأشياء تفقد اللون والطعم, والمسار والاتجاه.
لا نريد أن نعيد ما سبق قوله مرات إن ما يجري هو نتيجة طبيعية لخارطة الطريق البائسة التي اتبعت منذ البداية, وجعلت الانتخابات تسبق وضع الدستور, في حين أن المنطق يقول إن الدستور يسبق تشكيل البرلمان, وانتخاب رئيس الجمهورية. النتيجة الآن أن البرلمان, وهو أحد سلطات الدولة يتحكم في وضع الدستور الذي هو مصدر كل السلطات, وأغلبية البرلمان تريد أن تكون لها الغلبة. ووفق تعبير أساتذة وفقهاء القانون الدستوري ##المخلوق## أي البرلمان- يتحكم في ##الخالق##- أي الدستور, أو بعبارة أخري الولد يتحكم في الوالد.
لا يزال بين ظهرانينا من يظن أن الدستور تعبير عن ##أغلبية سياسية##, في حين أنه تجسيد لعقد اجتماعي يشارك فيه كل أبناء الشعب, ويعبر عن تنوعهم وتعدديتهم, ثرائهم الثقافي وآمالهم في المستقبل. هذه هي المعركة الحقيقية, والخلاف حول تشكيل اللجنة التأسيسية يدور في الأساس حول هذا السؤال: هل الدستور تصنعه الأغلبية أم يعبر عن كل الشعب؟
يبدو رغم كل مظاهر الخطاب الإيجابي الذي يجري تناقله حول ##المشاركة## لا ##المغالبة## فإن هناك أصواتا تثير مخاوف, وتبث مشاعر سلبية, وتدفع الناس إلي القلق بشأن مستقبلهم في ظل دولة تقوم علي التعددية, والتنوع, وحقوق المواطنة.
الجواب يعرف من عنوانه كما يقال, والحرص علي الأغلبية في لجنة وضع الدستور يثير مخاوف لا يمكن تجاوزها, وكان يجب ألا يحدث ذلك خاصة أن المجتمع يسعي إلي بناء توافق حول مجمل العملية السياسية. الملفت أن أحاديث ومواقف أعضاء البرلمان لا تنم عن فهم ووعي بمجريات الأمور, وطبيعة البلد, والأهم وظيفة البرلمان ذاته.