منذ أكثر من ربع قرن تعرفت علي نيافة الأنبا موسي أسقف الشباب, ومن الوهلة الأولي للقاءنا الأول, أدركت أنني أمام أحد آباء برية شهيت في عصرها الذهبي روحيا, مواطن مصري يدرك رائحة الأرض ومعني الإنسان وعبق الروح, لم أصدق أن هذا الراهب الذي أخشوشنت كفاة من عمل الدير كان طبيبا, ولكن حينما قطعت كلماته جدار الصمت, قادتني إلي عالم مكتبة الإسكندرية القديمة, حينما كان الأعلم هو الأقدس, والأقدس هو الأعلم, واستطاعت الكنيسة حين ذاك تقديس العلم وعلمنة القداسة, وسبقت في ذلك العالم شرقا وغربا, تلك هي الخلفية التي قادت هذا الراهب القادم إلينا من القرن الرابع إلي أسقفية الشباب في القرن العشرين, تابعت عن كثب ما يقدم في الأسقفية, لم يكن مجرد أنشطة واحتفالات ومهرجانات, بل وجدت أن الأسقفية تعد محمية روحية, للحفاظ علي قيم تكاد تكون قد اندثرت من مجتمعنا وكنيستنا, زرع صاحب النيافة أشجارا كثيرة نمت وكبرت وأثمرت وظللت سماء الوطن والكنيسة واحتمت بها عصافيرا كثيرة, مثل سمير مرقس, نبيل مرقس, فيفيان فؤاد, حنا جريس وآخرين.. وفي بستان الكنيسة العتيدة غردت طيورا كثيرة, من مختلف الأديان والمذاهب, الراحل أحمد عبدالله روزه, الراحل جورج عجايبي, أحمد بهاء الدين شعبان, عماد جاد, أمير سالم, جورج إسحق, أبوالعلا ماضي.. وآخرين, وهكذا فتحت أبواب الكنيسة للوطن وساعد الأنبا موسي الشباب علي الخروج بالكنيسة للوطن وليس من الكنيسة للوطن.
كل من تتلمذ علي يدي الأنبا موسي تحول إلي إنسان يجسد مجد الله الحي, ويؤكد علي أن لاهوت الوطن لا يتناقض مع لاهوت الكنيسة, ومن يحصي الأقباط الذين خرجوا يشهدون للثورة في 25 يناير, سيجد في مقدمتهم أبناء وأحفاد الأنبا موسي, أبناء المدرسة القبطية الوطنية, هؤلاء التلاميذ الذين خرجوا يحملون صليبهم, وينكرون ذواتهم من أجل الكنيسة والوطن: دون ضجيج أو شو إعلامي, أو مكاسب رخيصة كما يفعل البعض من الذين حولوا القبطنة من هوية روحية إلي مهنة سياسية, وأصبحت علاقتهم بالكنيسة الأم حق انتفاع!!
تحية لهؤلاء التلاميذ الذين ليسوا بأفضل من معلمهم, وكلاهما سار ومازال يسير علي نهج المعلم الأول يسوع المسيح.
نيافة الأسقف فرح السماء يظللك, وبعد أن انتقل أخيكم العزيز إلي الأمجاد المساوية علي رجاء القيامة, تعازينا القلبية, ومع المسيح ذلك أفضل جدا, لأننا إن عشنا ففي الرب نعيش وإن متنا ففي الرب نموت.