نشرت صحيفة “ذي انترناشونال هيرالد تربيون” مقالا لمدير مركز كارنيغي في موسكو - “ديميتري ترينين” يتناول فيه الدوافع وراء المساندة الروسية للرئيس السوري بشار الاسد رغم محاولات عربية وغربية لوقف سفك الدماء في المدن والبلدات السورية. وفي ما يلي نص المقال:
##عاد اثنان من كبار المسئولين الروس هما وزير الخارجية سيرغي لافروف ومدير الاستخبارات الخارجية الروسية ميخائيل فرادكوف للتو من زيارة الي دمشق.
ولم تكن مهمتهما حث بشار علي التخلي عن السلطة وعرض الاقامة في المنفي داخل روسيا, وانما جري الحديث حول الحوار مع المعارضة, وطرح موضوع الاستفتاء علي دستور جديد واستئناف الجامعة العربية مهمتها ##بهدف تهدئة الوضع##. اما روسيا فستقف بقوة الي جانب الصين في مجلس الامن الدولي لمنع التنديد رسميا بالنظام السوري ومنع اي تدخل عسكري اجنبي او عقوبات ضده.
غير ان مجيء محاولة المصالحة في وقت متأخر كثيرا, يجعل فشلها حتميا. اذ ان الحرب الاهلية السورية قد بدأت في واقع الامر, وليس من المتوقع ان تنتهي سريعا. وقد ادارت أمريكا وأوربا وتركيا ودول الخليج ظهرها للاسد.
في كثير من الأحيان يوصف الموقف الروسي تجاه سورية في إطار أهمية الأخيرة بالنسبة الي موسكو. وصحيح أن سورية تقع في القلب الاستراتيجي للشرق الأوسط, وأن علاقات موسكو مع عائلة الاسد ترجع إلي أربعة عقود.
غير أنه لا شيء من هذا يستحق المبالغة في أهميته. إذ أن سورية ليست حليفة, وميناء طرطوس هو مرفق لاعادة التموين وليس قاعدة بحرية. والقيمة الإجمالية لمبيعات الأسلحة الروسية إلي سورية خلال العقد الماضي بلغت حوالي 1.5 مليار دولار, وهو ما يضع دمشق في المرتبة السابعة لأكبر زبائن موسكو.
ولادراك ما ينطوي عليه موقف موسكو من سورية, ودوافع خلافها مع الغرب وعدد من الدول العربية, لا بد من القاء نظرة اكثر عمقا.
ففي العام الماضي, امتنعت روسيا في مجلس الامن عن التصويت علي قرار حظر الطيران فوق ليبيا, وبذلك سمحت للقرار أن يأخذ مجراه. ولم يلبث ما كان يعتبر حماية للمدنيين الأبرياء من الوقوع ضحايا مجزرة في بنغازي, أن تحول إلي حرب يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد الحكومة الليبية, كانت نتيجتها في النهاية الإطاحة بنظام القذافي.
ثم ان الحكومة الروسية تلتزم مبدأ الاعتدال بشكل صريح, كما انها تمقت الثورات. وهذا الوضع يتجاوز مجرد موقف ايديولوجي. وعندما ينظر الكرملين الي النهضة العربية, فانهم يرون دمقرطة تتجه مباشرة نحو الأسلمة.
واذا كانت الصورة التاريخية الغربية هي أوربا 1848 أو 1989, فانها بالنسبة إلي الروس هي روسيا .1917 وهم يشيرون إلي نتائج الانتخابات الأخيرة في تونس وخاصة في مصر. والي الفوضي التي تعم ليبيا بعد القذافي, وانتقال كميات كبيرة من اسلحة النظام السابق في الوقت ذاته الي أياد غير مأمونة. ومن وجهة نظرهم, فإن الانتفاضة السورية يمكن أن تؤدي إلي عواقب أكثر سوءا من حيث العنف الطائفي واحتمالات التأثير علي دول مجاورة, وخاصة لبنان واسرائيل.
ومن وجهة نظر الكرملين فان الثورات سيئة بما فيه الكفاية.
ويقدر الروس ان الولايات المتحدة والدول الغربية الاخري لا يمكن ان تتدخل عسكريا الا اذا كانت تستطيع ان تخرج بدون خسائر, مثلما حدث في ليبيا. غير ان سورية حالة اكثر صعوبة.
ولدي الروس شكوك بان السبب الحقيقي وراء الضغوط الغربية علي دمشق هو سلب طهران حليفتها الوحيدة في المنطقة. كما تري موسكو ان وراء نشاط دول الخليج, وخاصة قطر, في القضية السورية, صعودا في النفوذ الاقليمي للمملكة العربية السعودية, المنافس المر لايران في المنطقة. كما ان مطامح تركيا ##للعثمانية الجديدة## لها دورها. واكثر ما يقلق الروس هو احتمال قيام اسرائيل بقصف ايران, الامر الذي سيجر معه الولايات المتحدة والمشاركة نتيجة ذلك في حرب واسعة مع ايران في وقت ما خلال العام الحالي.
قد يقول البعض في هذا الشأن ان خسارة 4 مليارات دولار في صفقات الاسلحة الليبية وعقود اخري ومواجهة احتمالات خسارة مبلغ مماثل في التجارة السورية المتوقعة, لا يترك لموسكو خيارا سوي اتباع نهج متشدد.