منذ تسلم الرئيس أوباما منصبه, كان التعاطي غير المشروط مع إيران هو السياسة الرسمية الأمريكية, بينما تمثلت سياسة إيران الرسمية بالرفض التام للتعاطي مع الولايات المتحدة. وقد بعث الرئيس الأمريكي عدة رسائل إلي المرشد الأعلي لإيران آية الله علي خامنئي اقترح فيها أنواع مختلفة من التعاطي, ولكن تم رفض جميع تلك الأفكار. وفي مارس 2010, عندما قال الرئيس الأمريكي ##بمواجهتهم اليد الممدودة, أظهر قادة إيران قبضتهم المثبتة فقط##, اتهمه آية الله الخميني بمد ##يد معدنية داخل قفاز مخملي## بشكل مخادع. لقد حان الوقت للإعتراف بأن التعاطي مع المرشد الأعلي في إيران هي مهمة ميئوسا منها.
هناك سبب بسيط وراء رفض خامنئي التعاطي مع أوباما. فبوصفه المخطط الأستراتيجي للبرنامج النووي الإيراني والمدافع الرئيسي عنه, لا تتوقف المكانة السياسية للمرشد الأعلي علي بقاء البرنامج عاملا فحسب بل أيضا علي الإدراك الحسي بأن بإمكانه رفض جميع الضغوط. إن إصراره علي ذلك في ظل زيادة العقوبات الأمريكية يحدد مصداقية ادعائه بأنه ##زعيم العالم الإسلامي##. ومن شأن أي تراجع عن موقفه أن يعزز موقف منافسيه داخل البلاد, لأنه قام بتهميشهم بقوة عندما دعوا إلي اتباع سياسة نووية أكثر اعتدالا. إن الاحتفاظ بصورة راسخة علي البرنامج النووي هو بالنسبة له – بكل معني الكلمة – مسألة حياة أو موت.
وفي هذا الصدد, تختلف إيران كثيرا عن العراق في عهد صدام حسين. فقد كان صدام قادرا علي البقاء في الحكم خلال فترة من العقوبات دامت أكثر من عقد لأن النظام كان يحكم من قبل زعيم قاس مصاب بجنون العظمة, والذي كان باستطاعته القضاء علي أي معارض بإطلاق عيار ناري في مؤخرة رأسه. ولم يكن هناك شيء يسمي ##أزمة سياسية## في العراق في عهد صدام لأنه لم تكن هناك سياسة لذلك النظام. وعلي النقيض من ذلك, فإن إيران هي وكرا من المكائد السياسية, وهناك مناورات معقدة ودقيقة قائمة بين مختلف الفصائل, وإن كان ذلك ضمن عنصرا ضيقا إلي حد كبير من صفوف النخبة. وفي نظام كهذا, إن مكانة زعيم البلاد هي أكثر عرضة للخطر من تلك القائمة في دولة تحكم بالقبضة الحديدية من قبل رجل واحد.
وعلي وجه التحديد, إن قرار خامنئي شن حملة علي الاحتجاجات التي أثارتها الانتخابات الرئاسية المزورة في عام 2009 قد خلق تصدعات عميقة داخل ##فيلق حرس الثورة الإسلامي##, الذي هو طليعة النظام. ومؤخرا كتب مؤسس ##القوات البحرية للحرس الثوري## وقائدها خلال الحرب بين إيران والعراق الجنرال المتقاعد حسين علائي, مقالا في صحيفة ##اطلاعات طهران## قدم فيه مقارنة ضمنية بين الوضع في إيران اليوم مع العام الذي سبق الثورة, أشار فيه إلي أنه إذا لم يجد خامنئي وسيلة للتوصل الي تسوية سياسية مع الزعماء الإصلاحيين لحركة الاحتجاج, فسوف يرتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه الشاه قبل جيل من الزمن. وبعد أن هوجم الجنرال علائي من قبل وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة, بعث إليه بعض قادة ##الحرس الثوري## رسالة دعم غير موقعة. وبالفعل هناك مؤشرات علي أن بعض قادة ##الحرس الثوري## قد لا يدعمون مرشحي خامنئي المفضلين في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في مارس.
إن ما أثار حقا غضب ##الحرس الثوري## علي خامنئي هو أنهم يرونه مسئولا عن فرض العقوبات الغربية الأكثر صرامة التي أضرت بمصالحهم الاقتصادية. وكان ##الحرس الثوري## لاعبا رئيسيا في الأقتصاد الإيراني لأكثر من عقدين من الزمن. واليوم, لا يمكن حتي لمعظم شركات القطاع الخاص أن تقوم بأعمالها من دون توفر بعض ##الترتيبات الخاصة## مع الحرس الثوري. ويلعب المحاربون القدماء دورا بارزا في العديد من الصناعات بدءا من النفط والتعدين والخدمات المصرفية وحتي السينما والرياضة. وقد تغير معظمهم من ثوار مثاليين إلي محبي مال واقعيين.
لقد كان هؤلاء الإسلاميون السعيدون بالأموال النقدية التي يحصلون عليها هم الهدف الرئيسي لحملة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة. وخلافا للمزاعم من قبل النشطاء الغربيين المعارضين للعقوبات, عانت مخاوف ##الحرس الثوري## الاقتصادية الواسعة من كدمات شديدة بسبب العقوبات النفطية والمصرفية التي ينفذها تحالف من الدول الغربية يشاطر أعضاءه نفس الرأي. ولكي يظل برنامجهم النووي ذاتي الإكتفاء ويحافظوا علي مصالحهم التجارية العديدة, يضطر رجال المال في ##الحرس الثوري## إلي بيع النفط بسعر هو دون المعدلات العالمية. إن رفض خامنئي المتعنت للتوصل إلي حل وسط بشأن البرنامج النووي قد وضع إيران في مأزق وكلف البلاد المليارات من الدولارات.
وفي الدوائر السياسية الإيرانية, إن الناس الحسني الإطلاع منقسمين حول ما إذا كانت الأزمة النووية ستؤدي إلي اندلاع حرب أو التوصل إلي حل سلمي. ولكن الحل السلمي لا يمكن تحقيقه إلا إذا نجح ##الحرس الثوري## بوضع خامنئي جانبا وفرض حل وسط. وحتي الآن, يحتفظ خامنئي باليد العليا.
وبالإضافة إلي قيام المرشد الأعلي بوضع عقبة أمام ##الحرس الثوري##, يعمل خامنئي أيضا علي تخريب أي جهد من قبل الفصائل الأخري في الجمهورية الاسلامية للتعاطي دبلوماسيا مع الغرب. فالمؤسسة الدينية, الساخطة إلي حد كبير من خامنئي, تعتمد اقتصاديا إلي درجة كبيرة علي الحكومة بحيث لا يمكنها أن تؤثر علي السياسة الإيرانية بطريقة ذات معني. فطبقة التجار القديمة, الساخطة هي الأخري, لم تعد تلعب دورا اقتصاديا أو سياسيا مهما. فالإصلاحيون مثل أكبر هاشمي رفسنجاني, الذي كان ذات مرة رئيسا للبلاد, يتم طردهم تدريجيا من الحلبة السياسية. وفي مارس, قد يفقد السيد رفسنجاني منصبه الوحيد المتبقي ذا النفوذ, وهو رئيس ##مجلس تشخيص مصلحة النظام##, الذي يقدم المشورة للمرشد الأعلي.
وفي هذا المحيط, فإن أي جهد إضافي للتعاطي مع خامنئي سيكون عقيما. وسيكون المسار الأكثر حكمة هو الاستعداد الآن لفتح قنوات اتصال مع قادة ##الحرس الثوري##, والذي هم بالتأكيد مشغولين في تخطيط طرق للتصدي للضغوط المتزايدة من العقوبات الدولية. وهؤلاء هم الناس الذين سيقررون من سيكون خليفة خامنئي, والذي قد يؤدي غضبهم حتي إلي أخذ زمام الأمور علي عاتقهم قبل وفاته. وفي حين أنهم ليسوا ##ليبراليين داخل الخزانة## مستعدين لـ ##ربيع طهران##, إلا أنه ستكون لهم أزمتهم الشرعية الخاصة بهم – بعد نظام خامنئي – والتي قد تجبرهم علي الانفتاح نحو الخارج من أجل توطيد سلطتهم وشعبيتهم ومصداقيتهم في الداخل.
إن ##الحرس الثوري##, المتورط في أعمال الإرهاب في الداخل والخارج, هو ليس بأي حال شريكا طبيعيا للغرب. لكن قادته, الذين لهم مصالحهم الاقتصادية التي لا تعد ولا تحصي وحساسيتهم للعقوبات, هم أكثر ميلا بكثير من خامنئي نحو التوصل إلي اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني. وعند النظر في البدائل, فإنها فرصة تستحق المتابعة.
وول ستريت جورنال