ما حدث مع رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس ومع الفنان المبدع عادل إمام مسألة في غاية الخطورة تتعدي ما قيل عن عودة قضايا الحسبة مرة أخري,لأنها تطرح
ما حدث مع رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس ومع الفنان المبدع عادل إمام مسألة في غاية الخطورة تتعدي ما قيل عن عودة قضايا الحسبة مرة أخري,لأنها تطرح عدة قضايا كبري تتعلق بأسلوب الفاشية الدينية في مطاردة حرية الفكر والإبداع والنقد.
أول هذه القضايا تتمثل في الفاشية الثقافية التي تلازم الحركات الدينية المتطرفة, والفاشية الثقافية لا تتم حتما عبر القوانين ولكن عبر ممارسة الإرهاب الفكري علي كل فكر مخالف,لأن الفكر الفاشي لا يملك مقومات الصمود أمام التنوع والمجتمع المفتوح. لقاء نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور مع المرشد محمد بديع يصب في نفس الأتجاه حيث قال المرشد نحن لن نفرض عليكم شيئا ولكن نترككم لضمائركم, وهذا يعني أنه لا يعجبه الفن الحالي ويطالب الفنان أن يراقب ذاته وفقا للضمير الفني الإسلامي, مع جرجرة كبير الفنانين أمام المحاكم تكون الرسالة وصلت والفاشية الثقافية قامت بدورها علي طريقة اضرب المربوط يخاف السايب.
أما القضية الثانية فتتعلق بحدود نقد التراث الإسلامي, ففي حين أن نقد النص الديني بل والهجوم عليه شئ طبيعي في المجتمعات المتقدمة, تمارس الحركة الإسلامية المتطرفة توسعا لا معني له في تعريف المقدس حتي بات يشمل التراث والفقه والتاريخ والخلافة والحكومات الإسلامية, بل وصل الأمر أن كل شخص يطلق لحيته ويرتدي الزي الباكستاني أصبحت له الحصانة الممنوع الاقتراب منها, أي أن كل ما يتعلق بتاريخ وتراث الدولة الإسلامية القديم والمعاصر برمته أصبح بقرة مقدسة.
القضية الثالثة تتعلق بمصطلح ##إزدراء الإسلام## وهو أيضا جزء من مصطلحات الفاشية الدينية لتعميم الفاشية الثقافية والإرهاب الفكري عالميا, والنزول بمعايير الحريات العامة والخاصة الدولية إلي مستوي أدني, خاصة بعد تبني مجموعة الدول الإسلامية هذا المصطلح عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها, في الوقت الذي لا تقدم هذه الدول تعريفا منضبطا لمعني كلمة إزدراء الإسلام, بل هي محاولة لنقل المصطلحات المطاطة التي تفرضها النظم المستبدة علي شعوبها إلي المستوي الدولي ,أي أن الدول الإسلامية تسعي جاهدة إلي تدويل الإستبداد والإرهاب الفكري عبر مصطلحات مثل ##إزدراء الإسلام##,## الإسلاموفوبيا##, ## العداء للإسلام##,## التآمر علي المسلمين##,##إستهداف المقدسات الإسلامية##…
القضية الرابعة تتعلق بتقييد أقلية دينية منفتحة نسبيا بمعايير الإستبداد الديني عند متطرفي الأغلبية, وهذا يشكل مظهر من مظاهر طغيان الأغلبية لمحاولة قولبة الأقلية وتذويبها في ثقافة لا تريدها وتتنافي مع معتقداتها وتراثها.
القضية الخامسة تتعلق بمفهوم النقد عموما,فالفاشية الثقافية تعتبر النقد أداة هدم والدولة العصرية المتقدمة تعتبر النقد أداة بناء, بل هو أهم أداة بناء عرفها التاريخ كما يقول كانط, الذي تناول مفهوم النقد في ثلاثة مؤلفات هي, نقد العقل الخالص, ونقد العقل العملي, ونقد ملكة الحكم.بل يمكن القول أن النقد هو المحرك الفعلي لنهضة الحضارة الغربية برمتها, بل ولا يمكن تحسن وتطور المجتمعات الإنسانية بدون ممارسة النقد علي نطاق واسع.
ولكن الفاشية الدينية تعادي وتجرم النقد لأنه يحطم الأصنام المقدسة التي تصنعها وتجبر المجتمعات علي عدم المساس بها.
القضية السادسة والخطيرة تتعلق بمستقبل بلد تحاصره الفاشية الثقافية, فلا يمكن لهذا البلد أن يأخذ بالمناهج العلمية المتطورة, ولا بأساليب البحث العلمي الحديث,ولا بأدوات التقدم, ولا بمنتجات الحداثة, ولا بمظاهر العولمة,ولا بمتطلبات الديموقراطية الحقيقية, ولا بمستلزمات السياحة العصرية, ولا بمناخ الاستثمار الجاذب, ولا بالأستقرار السياسي القائم علي الحكم الرشيد, ولا بالإعلام المتوازن الموضوعي المهني…. باختصار أن البلد الذي تحاصره الفاشية الثقافية يخرج من التاريخ.
فهل هذا هو ما نريده لبلادنا؟. سؤال يوجه إلي الضمير الجمعي في مصر.