لم أستطع أن أخفي اندهاشي من بيان اللجنة البرلمانية الخاصة بأحداث “التهجير القسري” للمواطنين المصريين الأقباط بقرية النهضة، حيث قال النائب إيهاب رمزي- من تلى البيان- إنه: “تأكد من عدم وجود تهجير للأقباط” وأضاف: “وإن ما تردد ترويج إعلامي”، بل وأدان البيان ما اسماه: “بعض الممارسات الإعلامية”.
الاندهاش الأول كان بسبب أن اللجنة ضمت نواباً محترمين لهم وزنهم سواء من الحرية والعدالة أو النور أو مثل أبو العز الحريري، وعمرو الشوبكي، ومصطفى النجار، والثلاثة الأواخر لعب الإعلام دوراً بارزاً في حياتهم السياسية والعامة، فكيف يوافقون على مهاجمة الإعلام وهم يدركون تمام الإدراك أن البيان ينافي الحقيقة وأن الإعلام (154 موضوع وخبر ومقال وبرنامج تليفزيوني) لم يعتمد كتابها أو معديها سوى على الزيارات الميدانية والحوار مع المهجرين الأقباط (حدث هذا مع 62 موضوعاً وبرنامجاً)، و38 كاتباً وصحفياً اعتمدوا على وثائق وهي الثلاثة محاضر العرفية، و54 خبراً تحدث أغلبها عن بيانات أصدرتها جهات حقوقية حققت ميدانياً في الأمر.
الاندهاش الثاني: أن الإعلام تداول كلمة أو مصطلح “التهجير القسري” كمصطلح حقوقي مرتبط بدلالات واردة ضمناً في المحاضر العرفية الثلاثة، وفي المحضر المؤرخ في 1/2/2012 على سبيل المثال نجد: “تم الاتفاق بين كل من اللجنة وهم عصام مسوليني، أحمد جلال، خالد الرقاص، خالد فاروق، عبد الحليم حميدة، حسن أحمد صالح، رأفت مسوليني، وهم وسطاء بين الطرف الأول وأهالي النهضة لحل الإشكال والنزاع القائم وذلك على البنود التالية:
“1- خروج أبو سليمان من المنطقة من باب درءاً للمفسدة وحفاظاً على حياته هو وأولاده.
2- تتحمل اللجنة مسئولية إحضار مشترين للمنازل الخاصة بأبي سليمان خلال ثلاثة شهور وتتحمل تحصيل مبالغ الكمبيالات الخاصة بأبي سليمان.
3- في حالة حضور مشتري عن طريق أبو سليمان يتم تسليم المنزل للمشتري وذلك مسئولية اللجنة.
4- الرجوع في أمر البيع والشراء والتثمين يتم برئاسة الشيخ شريف الهواري على معيار متوسط ثلاثة منازل فأكثر بسعر المنطقة. وفي نهاية المحضر البند السابع كتب:
7- تم الاتفاق على تحويل مشكلة المتضررين (السبع أندراوس سليمان، دهشور أندراوس سليمان، سمير رشاد جرجس رشاد) إلى اللجنة الشرعية بمعرفة الشيخ شريف الهواري في ميعاد أقصاه أسبوع.
8- تم الإتفاق على تحويل مشكلة مراد سامي جرجس لنفس اللجنة حيث أنه المتسبب في هذه الأحداث”.
في ذلك المحضر نجد البند الأول يقر بمبدأ (خروج من باب درء المفسدة وحفاظاً على حياته هو وأولاده) ترى ماذا نسمي ذلك؟ إن لم يكن تهجير قسري فهل هو ترحيل أم ماذا؟ وبالتأكيد الإجبار متوفر، علماً بأن لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب كانت قد قررت سابقاً في جلستها الأولى استبدال مصطلح “التهجير” بمصطلح “التفريق”، وعاد المجلس القومي لحقوق الإنسان لاستخدام مصطلح التهجير القسري في بيانه عن الأحداث.
أيضاً بماذا نسمي تفويض اللجنة والشيخ شريف الهواري بتصفية وبيع ممتلكات اسخارون سليمان الشهير بأبو سليمان، بما في ذلك تحصيل الكمبيالات الخاصة بتجارته! علماً بأن هذا الرجل وأولاده لم يتدخلوا في الأحداث وليسوا طرفاً فيها، فمن نسبت إليه الأحداث ويدعى مراد سامي (ترزي) لا قرابة له بهم، مما يفتح المجال للتفسيرات الاجتماعية والاقتصادية مثل إنهاء النفوذ الاقتصادي لأكبر أعيان الأقباط في المنطقة، وبالفعل تم حرق ممتلكات هذا الرجل، وسرقة كل الأوراق الخاصة بتجارته، وبالطبع أهالي القرية يعرفون من فعل ذلك ولماذا؟ الاندهاش الثالث في أعمال اللجنة البرلمانية، أطرحه في سؤال بسيط: لماذا اجتمعت اللجنة في كافتيريا أبو عمر ببرج العرب ولم تجتمع في قرية شربات؟ هل لأن اللجنة رأت أن العناصر الأمنية غير متوفرة؟ وإذا كانت كذلك فكيف تعتقد اللجنة أن من خرجوا من القرية طوعاً أو إجباراً بإمكانهم العودة مرة أخرى!
أو أن اللجنة رأت من الأفيد عقد جلسة عرفية مع مشايخ الحركة السلفية الأفاضل في قراهم درءاً للحرج، الأمر الذي يكرس التطبيع بين ممثلي السلطة التشريعية (الوفد البرلماني) ومشايخ العرب الممثلين للحلول العرفية؟ ولما لا والسيد محافظ الإسكندرية أسامة الفولي ومدير الأمن ومفتش مباحث الإسكندرية أقروا بالحلول العرفية بديلاً للقانون، ومن ثم فلا حرج على السلطة التشريعية في أن تسلك سلوك السلطة التنفيذية وتدافع عنه.
الاندهاش الرابع: بدون دواعي الحرج موجه لقارئ البيان النائب المحترم إيهاب رمزي الذي قفز للمنصة لكي يقرأ البيان: أيها النائب الهمام دائرتك (المنيا) مشتعلة بسبب محاولة الأقباط الصلاة في قرية الإسماعيلية في إحدى الأماكن غير المرخص لها، وحضرتك في أقصى الشمال من مصر، فهل هذا حباً في الشهرة أم بحثاً عن دور تفتقده في دائرتك؟ أو أنك أثناء أحداث المنيا كنت مشغولاً في جلسات محاكمة قتلة الثوار؟
إننا أمام أول تطبيع بين السلطة التشريعية (ممثلة في الوفد البرلماني) والسلطة التنفيذية (ممثلة في المحافظ) من جهة وبين الحركة السلفية (ممثلة في نواب النور) ونواب أساقفة البلاط البابوي المعمدين سياسياً بعد نوال بركة تعيين المجلس العسكري من جهة أخرى.
كفى عبثاً.. فالإعلام ليس حصان طروادة لكي تختبئون فيه من أجل تقديم أقباط النهضة قرباناً لمصالح سياسية ودينية.
إ س