فى محاولة لقراءة التاريخ المصرى ورصد حركة الثورات المصرية كخطة نحو التأصيل لما حدث يوم 25 يناير وثورة الشعب المصرى على الظلم والقهر والاستبداد.. ناقشت ندوة «كاتب وكتاب» كتاب “انتفاضات أم ثورات”
فى محاولة لقراءة التاريخ المصرى ورصد حركة الثورات المصرية كخطة نحو التأصيل لما حدث يوم 25 يناير وثورة الشعب المصرى على الظلم والقهر والاستبداد.. ناقشت ندوة «كاتب وكتاب» كتاب “انتفاضات أم ثورات” للكاتب د. محمد حافظ دياب، أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس والأستاذ غير المتفرغ فى علم الأنتروبولوجيا بكلية الآداب جامعة بنها.
يسعى المؤلف فى كتابه إلى تتبع محاولات الحركة الوطنية فى تاريخ مصر الحديثة بدءاً من المقاومة الشعبية للحملة الفرنسية على مصر 1798 مروراً بالتصدى لمحلة فريزر أيام محمد على باشا والثورة العرابية 1881 فثورة 1919 مروراً بثورة يوليو 1952 حتى انتفاضة 17 و18 يناير 1977 وحتى ثورة 25 يناير.
وفى البداية أكد د. حافظ دياب أن أولى المشكلات التى واجهته وطرحت نفسها هى كيف السبيل إلى كتابة تاريخية تجمع بين منجزات التاريخ والأدب وعلم الاجتماع والجغرافيا والإنتروبولوجي، لأن أقدم الكتابات التاريخية كانت تعتمد على سرد الوقائع بشكل تقليدى دون التعرف على قانونية الحركة الوطنية فى مختلف فعالياتها.
وقال: أنه فى الكتاب لا يقتصر على الوقائع ولكن لابد من رفض المبنى بالعمنى وأنه فى أثناء انشغاله بموضوعات الكتاب اكتشف أن هناك مدونة أدبية كانت توثق كل فعالية من فعاليات الحركة الوطنية المصرية بل وتسبقها.
وأضاف: الكتاب وهو يتحدث عن مقاومة الحملة الفرنسية يوجد به قصيدة فرنسية لأحد الشعراء الفرنسيين ضد نابليون بونابرت بالإضافة إلى موال شعرى مصرى من قرابة ألف بيت شعرى ؤلكن من الصعب بالطبع أن أضيف الألف بيت شعرى فاقتصرت على بعض المقتطفات منه.. وهناك أيضاً بين صفحات الكتاب وصية للشاعر الكبير أحمد بك شوقى وهى بمثابة دعاء طلبه منه الوفد المصرى قبل أن يسافر إلى باريس للتفاوض وهذا الدعاء طلبه زعيم الوفد المصرى «سعد باشا زغلول»، وهناك أيضاً قصيدة مشهورة لحافظ إبراهيم كتبها فى مظاهرة «الفتيات المصريات».
وأشار د. حافظ دياب إلى أن الكتاب يضم مجموعة من أزجال الشاعر «بيرم التونسى» عن كيفية استيلاء الأجانب على عرق الفلاح المصرى أثناء ثورة 1919 بالإضافة إلى نصوص شعرية وأدبية أخرى منها رواية «الفيلق» والتى صور فيها الفلاحين وهم مقيدين بالأغلال ومنساقون إلى العمل فى المشروعات الأجنبية.
وقال «دياب»: علم الاجتماع ما كان له أن يقدم سرداً لوقائع العصر الحديث دون الإمساك بقانونية الحركة الوطنية أما بالنسبة لعلم الجغرافيا فقد ذكره على هيئة طبيعية استطاع من خلالها التعرف من جديد على تضاريس القاهرة التى تواكب كل مرحلة من مراحل الحركة الوطنية والتى تتصل بالبشر، موضحاً أنه فى كل مرة كان يكتب فيها عن الحركة الوطنية المصرية كانت القاهرة تظهر أمامه فى كل واقعة بشكل جديد.
أما عن صلته بالأنثروبولوجيا فأكد «دياب» أن الكتاب يهتم بفرع مهم من فروع الإنثروبولوجيا التى تقدم جمعا بين قوله كمؤرخ وقوله كسارد للوقائع.
وعن السؤال الرئيسى الذى يدور حوله الكتاب عن طبيعة الحركات الوطنية عبر تاريخ مصر الحديث وهل هى حركات أم ثورات أم انتفاضات؟..أجاب د.حافظ دياب أن هذا ليس وحدة سؤال الكتاب الظاهر ولكن هناك سؤالا آخر كامنا وهو لماذا تسرق الثورات المصرية؟!! ودليلة على ذلك أنه بمتابعة الحركات الوطنية المصرية سنجدها تبدأ ناجحة نجاحاً مبهراً ثم لا تلبث ويعتريها الدهر ثم يتم سرقتها فكيف تسرق ولماذا ومن الذى يقوم بسرقتها؟
وأضاف «دياب» متسائلاً :هل يرجع هذا كما يقال إلى «طائر الرخ» الذى كنا نقرأ عنه فى الأساطير القديمة أم هو الطرف الخفى كما تدعى أجهزة الإعلام المصرية؟! وهل يوجد بعض من وجوه الجدل فى العلاقة بين النخبوى والشعبوى على مقتضى أن النخبوى يمتلك نخبته والشعبوى يمتلك جمهرته؟!.. أم هو ذلك الخطأ التاريخى الذى تحدث عنه الشاعر «أحمد عبدالمعطى حجازى» فى قصيدته «مرثية لاعب سيرك».
وقال «دياب»: يبقى أمامنا التفكير فى أن أهداف الحركة الوطنية فى مصر منذ بدايتها وحتى اليوم لم تتحقق وهى «تحرير الوطن وتكريس الديمقراطية وتوحيد الأمة وتحقيق تجربة تنموية عادلة التوزيع».
من جانبه أشار عمر صبرى المشرف على أنشطة “كاتب وكتاب” إلى أهمية هذا الكتاب للقارئ المصرى وأشاد بالمجهود الذى بذله الدكتور محمد حافظ دياب فى الرصد التاريخى للحركات الوطنية المصرية حيث أكد على أن من يقرأ هذا الكتاب يستشف أنه من القليلين الذين تنبئوا بثورة 25 يناير فقد استعرض تاريخ الثورات والهبات التى مرت بتاريخ مصر الحديث.
وأضاف أن رؤيته لم تكن تاريخية فقط ولكنها كانت ممزوجة بعلم الإنثروبولوجيا المصرى.
وعن ثورة 25 يناير قال د. حافظ دياب: أدعى أن ما حدث فى ثورة 25 يناير لم يكن موجهاً فى حقيقة الأمر إلى نظام مبارك وإنما كان موجهاً إلى نظام 15 مايو 1971 الذى قاده السادات ضد الحقبة الناصرية ولذلك عندما نتحدث عن السنوات الماضية يجب أن نتحدث عن أربعين عاماً وليس عن الثلاثين عاماً التى حكم فيها مبارك مصر مع ملاحظة أن مصر شهدت خلال تلك الفترة انحطاطاً تاريخياً لا مثيل له.
وأكد «دياب» أن ما حدث فى 25 يناير كان بمثابة مقدمة لثورة تحتاج إلى اكتمال فمن يتصور أن الثورات تأتى بنتائجها بين يوم وليلة فهو واهم، مشيرا إلى أن الثورة تتطلب كل يوم مزيداً من النضال وأنه قدم فى كتابه أن أى حركة وطنية أو ثورية عندما تستطيع أن تتقدم وتوسع قاعدتها الشعبية فإن الأعداء بالداخل والخارج سوف يتربصون بها ويحاولون أن يستقطبوا وهذا ما حدث فى ثورة 25 يناير.
وفى سؤال من القاعة للدكتور حافظ دياب عن أنه قال أن الشعبوية غلبت ثورة 25 يناير وكيفية تصحيح ذلك والحد من غلظة الشعبوية أجاب «دياب» بأن الشعبوية تختلف عن الشعبية فالشعبية تتحقق بشروط.. أولها: «الإبداعية» بمعنى أن تضيف جديداً ثم التناقل بمعنى سهولة نقل هذا الإبداع الذى أضافته وبناء على هذا التناقل لا تعد صبغة ناجزة لأنه من خلال التناول يحدث بعض الحذف والإضافة.
أما «الشعبوية» فهى تعمتد على الجمهرة أى الكثرة والتى نسميها «الألتراس» وهى الكثرة غير الواعية بخلاف «النخبوية» التى تعتمد على قلة واعية.
وأضاف: من ينظر إلى الطبقة السلفية الآن يجد أنه يغلب عليها الشعبوية إلى حد كبير ذلك أنها تعتمد على الجمهرة حتى فى «الملبس الواحد والذقن».. والأمر يرتبط عندهم بتدين الوجهة الاجتماعية للشعب المصرى مؤكدا أن الدين ليس مرتبطاً بهذه المظاهر.
وأشار «دياب» أيضا إلى أن هذا التيار يمارس الغلطة فى حديثه مع شعب مصر المتسامح، مؤكدا أن هذا الشعب قد استطاع بسماحته أن يغير المذهب الشيعى الذى كان هو المذهب الرئيسى لأن التدين المصرى يعتمد على التسامح والوسطية ولا يعتمد على هذه الصيغ الغليظة التى يمارسها الشعبويون الجدد.
واختتم كلامه: علينا ألا نغفل أن هذه الجماعات تستقوى بقوى إٍقليمية وظلت تزعم طوال التاريخ الإسلامى كله أنها بعيدة تمام البعد عن السياسة حيث كانت تقول أن السياسة من المفاسد وكانت تحض على طاعة ولى الأمر صالحاً كان أم فاسداً ومع بداية الانتخابات أسرعوا بتكوين الأحزاب ذات الصبغة الدينية.. وتناسوا ما كانوا يرددوه.
==
س.س