بعد مجزرة بورسعيد بعدة أيام أصدرت لجنة تقصي الحقائق توصياتها المبدئية التي أدانت فيها مدير أمن بورسعيد وهيئة الاستاد وإدارة النادي المصري وللتوصيات بقية..
قبل التحقيقات وتحديد المتهمين وإعلان أدلة الاتهام أدان الرأي العام في مصر شعب بورسعيد بأكمله وشهر سيف الاتهام في وجه شعب بورسعيد, تقرر عقاب شعب بورسعيد بكل الأساليب البشعة في مقدمتها فرض الحصار الاقتصادي ونصب مذبحة للسيارات البورسعيدية القادمة والعائدة إلي بورسعيد, لدرجة أن القوات المسلحة اضطرت لمد جسر جوي بين القاهرة وبورسعيد للإغاثة بالمواد التموينية, كان يجب تكثيف حملة توعية صادقة للتفرقة بين إعلان قرار الاتهام والأحكام الظالمة المسبقة, وأن هناك فرقا بين تحديد المتهمين وعقاب شعب بأكمله, وأيا كان قرار الاتهام بمسئولية أجهزة معينة أو طرف ثالث أو حتي قلة موتورة من بورسعيد, فلا يجوز أن نذبح شعبا بأكمله بذنب قلة.. ومع ذلك هناك عدة حقائق مهمة أبرزها:
* بعد إعلان قرار المنطقة الحرة في بورسعيد في السبعينيات حدثت هوجة, ونزح إليها الدخلاء الطامعون في إقامة المشروعات وسط مناخ اقتصادي وأمني عشوائي لم يحدد أو يحسم أحقية هذه المشروعات, وفي خلال شهور قليلة كان الآلاف من رجال الأعمال من كل حدب وصوب يقيمون مع أسرهم في بورسعيد لاقتسام كعكة المدينة الحرة مع أبناء بورسعيد, بل إن كثيرا من أبناء بورسعيد فرضت عليهم مرارة التهجير والتشرد وعدم العودة إلي موطنهم الأصلي بعد الهجمة الشرسة للنازحين من كل المحافظات, فاختلط الحابل بالنابل والنتائج واضحة كالشمس حتي اليوم.
* تاريخ بورسعيد وشعبها يشهد أن انفلاته الكروي لم يتجاوز إطلاقا إتلاف بعض المحلات والسيارات والإصابات الخفيفة ولم تشهد الملاعب البورسعيدية حالة وفاة واحدة نتيجة أحداث الشغب الكروي.
* نسيت الذاكرة المصرية المواقف البطولية والكفاح العظيم لشعب بورسعيد الذي قدم مئات الآلاف من الشهداء والمصابين فداء للوطن دون مقابل بدءا من العدوان الغاشم عام 1956 وصموده الأسطوري مرورا بنكسة 1967 إلي حرب الاستنزاف التي استمرت ست سنوات كاملة تعرض فيها شعب بورسعيد لكل أنواع القهر والذل والهوان في ظل ظروف تهجير غير إنسانية, ومع ذلك لم ينكسر أو ينحني أو يتوسل أو يتسول, انتهاء بحرب 1973 التي حقق فيها بطولات خارقة ودفع أعلي ضريبة دم من أجل مصر!
* أدرك الرئيس الراحل أنور السادات هذه الحقيقة وحرص علي تعويض شعب بورسعيد فقرر في السبعينيات تحويلها إلي منطقة حرة, وأكد بالحرف الواحد أنها ستكون سنغافورة الشرق وقلعة صناعية وإنتاجية واستثمارية عالمية, ومع ذلك تتابعت الفرمانات التي دمرت أحلامها, واختتمت بالقرار رقم 5 لعام 2002 بإلغاء المنطقة الحرة.. لم يفكر المجلس العسكري في فتح تحقيق حول ملابسات تدمير المنطقة الحرة!
* سجل بورسعيد حافل بالبطولات التي تعجز مئات المجلدات عن احتوائها, وصدور قرار الاتهام سيكشف حقائق مذهلة, حتي لو أدان بعضا ممن يعيشون علي أرضها, فإن فرزها وتحديد هويتها سيكشف عن العناصر الإجرامية والبلطجية والمليشيات والمافيا التي هبت من البؤر الإجرامية بالمحافظات واستقرت في بورسعيد وأصبحت محسوبة علي شعبها المناضل!
الشعب الذي ضحي بالأرواح والدماء من أجل الوطن, لا يستبيح إراقة دماء الأبرياء.