العقاب الجماعي للأقباط برعاية رسمية!!في مشهد كارثي يعكس استمرار مسلسل سقوط الدولة وغياب القانون, زفت الصحف والأنباء الأسبوع الماضي نبأ النهاية السعيدة
العقاب الجماعي للأقباط برعاية رسمية!!
في مشهد كارثي يعكس استمرار مسلسل سقوط الدولة وغياب القانون, زفت الصحف والأنباء الأسبوع الماضي نبأ النهاية السعيدة لأزمة قرية شربات التابعة لمركز العامرية بمحافظة الإسكندرية.. احتفت الأنباء بنجاح لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشعب في إخماد نار الفتنة الطائفية -وأرجو ملاحظة أن كل مصيبة يكون فيها المعتدي مسلما والمعتدي عليه قبطيا يطلق عليها المسئولون والإعلام فتنة طائفية- فقد تعهد الشيخ شريف الهواري شيخ الدعوة السلفية بالعامرية بإعادة الأسر القبطية التي جري إبعادها قسرا وقهرا عن القرية بأحكام عرفية صادرة عن مجلس عرفي إلي منازلها مرة أخري.
تنفس الجميع الصعداء وكاد الإعلام أن يزغرد فرحا واختالت لجنة تقصي الحقائق الموفدة من مجلس الشعب زهوا بنجاحها الباهر, فها هو الشيخ شريف الهواري يتفضل ويقبل إعادة الأسر القبطية إلي ديارها التي أخرجت منها عنوة وبلا ذنب جنته سوي أنها مسيحية الديانة وهي ذات ديانة شاب مسيحي منفلت تربطه علاقة مشبوهة بسيدة مسلمة.. إذا يتوجب عقاب المسيحيين القاطنين القرية علي هذه الجريمة الأخلاقية.. لديهم عدم وجود صلة بينهم وبين الشاب القبطي -بالرغم من أن حتي وجود صلة لا يعد مبررا للتنكيل بأبرياء- فاشتراكهم في الديانة مع المجرم يجعلهم عرضة للعقاب الجماعي ويجعل من أمنهم وحياتهم وممتلكاتهم سلعا مستباحة بالتهديد والترويع والسلب والنهب والحرق والاغتصاب!!!
وأرجو ألا تسألوني عن القانون وعن السلطة وعن دورهما في التدخل الفوري للقبض علي المخطئ وتقديمه للعدالة, أو عن واجب السلطة في حماية المواطنين المصريين الآمنين الأبرياء الذين لم يخالفوا القانون من تهديدهم والاعتداء عليهم.. لأن هذه السلطة ضلت الطريق, فياليتها كانت غائبة من مسرح الأحداث, لكنها للأسف الشديد كانت حاضرة ومشاركة وراعية لفصول المسرحية الهزلية التي جرت في رحاب المجلس العرفي الذي اغتصب منها -في حضورها- صولجان القانون ونصب من نفسه خصما وحكما وقرر إنزال العقاب الجماعي بالأسر القبطية بإبعادها قسرا عن القرية وبيع ممتلكاتها!!!
هذا السيناريو الكريه ليس جديدا علي واقعنا الكئيب المتردي, لكن المأساة أن المصريين -والأقباط علي وجه الخصوص- اعتقدوا أن ثورة 25يناير ستضع حدا لسائر أوجه الفساد السياسي والأمني الذي كان سائدا قبل الثورة, فالمجالس العرفية التي كانت تنظمها وترعاها المجالس المحلية والسطات الأمنية قبل الثورة وكان يتم فيها مساواة الضحية القبطية بالجاني المسلم وإجبار الضحية علي قبول الصلح القسري وإفلات الجاني من العقاب, تلك المجلس بكل ما كانت تحمله من بطش ومهانة وإذلال لم تمح من ذاكرة الأقباط, لكن ما لم يتصوروه أن تستمر بعد الثورة مع تبادل طفيف للأدوار, فالآن يقيم تلك المجالس حكام الأقاليم الجدد من شيوخ السلفيين ويرعاها ويباركها ويحضرها ممثلو السلطة الرسمية والأمنية!!!
أبشروا.. فقد انتهت ملحمة قرية شربات, وصدر العفو السلفي عن الأسر القبطية وجاء الإنعام عليها بالعودة إلي ديارها.. لا يهم ما تعرضت له تلك الأسر من هلع وترويع عندما حاصرها الغوغاء في خضم انفلات الأحداث صارخين بحتمية اقتحام منازلها واغتصاب نسائها وبناتها ذودا عن شرف الإسلام وانتقاما من علاقة مشبوهة بين قبطي ومسلمة.. لا يهم المحنة الرهيبة التي عاشتها كل أسرة من تلك الأسر عندما هرعت إلي أسطح منازلها طلبا للنجاة واضطر أفرادها إلي القفز إلي أسطح المنازل المجاورة -وحمدا لله أن المنازل في القرية متلاصقة مما أتاح لها الهرب- حيث تلقفها أصحاب القلوب الرحيمة من الجيران المسلمين الذين احتضنوها واستضافوها ووفروا لها الحماية في منازلهم.. كل ما يهم أن العفو صدر وعفا الله عما سلف وليذهب الجناة والمعتدون لحال سبيلهم آمنين مطمئنين أنهم لن يقدموا للعدالة إزاء جرائمهم.. ولا عزاء للقانون ولا يبحث أحد عن الدولة وهيبتها!!!
منظمات حقوق الإنسان وحدها التي عايشت تلك الأحداث البشعة وعبرت عن رفضها الصارخ لتراجع دور الدولة وغياب القانون في إدارة الأزمة, واحتجت في بياناتها علي تنازل السلطات الرسمية والأمنية عن مسئولياتها باشتراكها المعيب في الجلسات العرفية ومباركتها قرارات هذه المجالس التي تنزل القصاص الظالم بالأبرياء وتفرض أحكاما عرفية غير قانونية من طرف واحد.. وشددت هذه المنظمات علي ضرورة إجراء تحقيق قضائي وبرلماني عاجل للكشف عن ملابسات جريمة قرية شربات بكل أبعادها ومعاقبة المتورطين فيها سواء من الغوغاء أو المجرمين أو المسئولين السياسيين والأمنيين.
أما عن الأقباط ومدي شعورهم بالأمن والأمان في وطنهم, ومقدار الرعب الذي يتملكهم من المجهول الذي يتربص بهم, وسيف القصاص الذي ينقض عليهم دون ذنب أو جريرة, فهذه مسألة باتت تهدد كيانهم وسلامهم تصرخ في وجه السلطات التي تدعي أنها تمثل الدولة!!!