فى مستهل هذا العام كتبت عن كشف حساب ثورة يناير فى عامها الأول ، وكيف أن الأحداث الملتهبة التى حفل بها العام فتحت ملفات كثيرة ، وأفرزت تعهدات رسمية متلاحقة من
فى مستهل هذا العام كتبت عن كشف حساب ثورة يناير فى عامها الأول ، وكيف أن الأحداث الملتهبة التى حفل بها العام فتحت ملفات كثيرة ، وأفرزت تعهدات رسمية متلاحقة من القيادة العسكرية والسياسية فى البلاد لم يتم الوفاء بها وانتظرت حلول عيد الثورة الأول فى 25 يناير الماضى لعل الحديث يتجدد حول تلك الملفات، لكن لم يحدث شئ … كثرت مطالب الفصائل السياسية والثورة فى ميدان التحرير – وفى ربوع مصر – حول حقوق الشهداء ، ومحاكمات رموز النظام السابق ، والإسراع بخريطة طريق المرحلة الإنتقالية لتسليم السلطة من العسكريين إلى المدنيين ، وإنهاء التحقيقات فى أحداث قتل الثوار وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء … لكن لم أسمع أحد يذكر الملفات التشريعية التى رحلت حكومة عصام شرف دون الوفاء بهاء وجاءت حكومة كمال الجنزورى دون التعهد بها.
إنها ملفات حقوق الأقباط المهدرة منذ عقود ، والإصلاحات التشريعية التى طال إنتظارها لترسيخ المساواة بينهم وبين المسلمين تحت مظلة المواطنة … فكم من جرائم ارتكبت ضد الأقباط استبيحت فيها كنائسهم وممتلكاتهم ومساكنهم ومتاجرهم وأرواحهم وأعراضهم عبر العقود الأربعة الماضية ، دون أن يحرك القانون ساكناً ودون أن تنتهى أية تحقيقات أو محاكمات بإدانة أحد ، أو عقاب مجرم … وكم من تقارير صدرت عن المنظمات الحقوقية وعلى رأسها المجلس القومى لحقوق الانسان تلح فى ضرورة علاج الخلل التشريعى والأمنى الذى يخلق مناخ التعصب والتطرف الذى يحيق بالأقباط … وكم من مبادرات برلمانية قدمت لمجلس الشعب تنادى بإصدار قوانين الحريات الدينية وقوانين تجريم التمييز لكن مصيرها كان ثلاجة التجميد !!!.
وحتى بعد ثورة يناير عندما تلاحقت أحداث العنف التى أصابت الأقباط وكنائسهم صدرت الوعود من رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف بالإسراع بإصدار تلك التشريعات فى غصون ثلاثين يوما ، وإعتقد الأقباط أنه أخيرا توفرت الإرادة السياسية للوفاء بهذه الوعود وصدقوها لكن مرت الأسابيع وأنقضت مهلة الثلآثين يوما دون حدوث شئ ، وتوالت أسابيع وشهور بعدها دون حدوث شئ أيضا ، الأمر الذى أفضى إلى المزيد من الإعتداءات على الأقباط وكنائسهم ، ولم لا؟… ألم يؤدى تقاعس المسئولين عن الوفاء بالوعود التى قطعوها على أنفسهم إلى إرسال رسالة مغلوطة وخطيرة إلى المعتدين بأن جرائمهم ستمر دون حساب أو عتاب ،وأن المناخ المريض بالتعصب والفرز باق كما هو ، وأن الامر لا يعدو حقنة تخدير ٍ أعطيت للأقباط ؟!!.
وعندما انفجر بركان الغضب القبطى فى ماسبيرو وسقط الضحايا والشهداء وروعت مصر والعالم من هول الأحداث الدامية التى تعرض لها الأقباط ، انتقض المجلس الأعلى للقوات المسلحة واجتمع بوزارة الدكتور عصام شرف ليطلب منها سرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة فى غضون أسبوع وعلى أن يتم تضمينه نصوصا لتقنين أوضاع الكنائس القديمة غير المرخصة – سواء المفتوحة منها أو المغلقة – ومرة آخرى صدق الأقباط ، وليس لأنهم اقتنعو بتوفر الإرادة السياسية تلك المرة ، ولا لأنهم صدقوا التصريحات الرسمية ، لكن لأنهم تصوروا أن بشاعة وجسامة مذبحة ماسبيرو ستنجح أخيرا فى هدم الحاجز الرهيب الذى يفصلهم عن المساواة فى حقوق المواطنة … لكن حتى ذلك فشل فى تحريك ضمائر المسئولين نحو الوفاء بوعودهم وتصريحاتهم ، وكانت تلك أيضا حقنة تخدير آخرى أعطيت للأقباط .
ثم توالت الأحداث ورحلت حكومة الدكتور عصام شرف بعد أن فقدت تعاطف وتأييد الجميع – الثوار والأعداء وحتى الأصدقاء أيضا – رحلت غير مأسوف عليها … وجاءت حكومة الدكتور كمال الجنزورى الذى تحدث كثيرا وطويلا عن مسئولياته وإلتزاماته فى الظروف العصبية التى تولى فيها السلطة وتحديات الملف الاقتصادى والملف الأمنى الواجب عليه مواجهتها ، لكنه لم يذكر شئ عن ملف الأقباط الملتهب أو عن وعود سلفة التى تنتظر التحقيق … انتظرت حتى يلتقط الدكتور كمال الجنزورى أنفاسه ويأخذ فرصة عادلة لفحص التركة التى تركها سلفه ويقول لنا ماذا هو فاعل بها ، لكنه لم يصرح بأى شئ وكأنه يراهن على ضعف ذاكرة الأقباط أو يزيح الأمر برمته جانبا قائلا ” دة مش وقته “!!
وأتساءل متعجباً : ألم يكن الدكتور الجنزورى فى مصر منذ اندلاع ثورة يناير ؟… ألم يعاصر ويعايش الأحداث التى تعرض لها الأقباط بعد الثورة – بغض النظر عما تعرضوا له من قبلها على مدى أربعة عقود – ؟… ألم يسمع عن كنيسة صول أو قطع أذن القبطى فى قنا أو كنيستى إمبابة أو كنيسة الماريناب بإدفو ؟… ألم يسمع الوعود والتصريحات المتكررة التى صدرت عن سلفه بإصدار القوانين وفتح الكنائس المغلقة وتعقب الجناة وتقديمهم للعدالة ؟… ألم يفكر أن يسأل عن كل تلك الملفات التى تقبع حبيسة ادراج مجلس الوزراء عند تواليه السلطة ؟!!! … لا أجد إجابات شافية عن كل هذه الأسئلة ، لكنى أعرف تماما أن الدكتور الجنزورى كان فى مصر طوال العام الماضى ، لم يغادرها ولم يستدعيه أحد من الخارج لتولى رئاسة مجلس الوزراء دون دراية بمجريات الأمور وتداعى الأحداث .
الآن عندنا مجلس شعب ، ولدينا حكومة والمفترض أننا مقبلون على فصل رقابى وتشريعى يمارس فيه المجلس دوره وتمارس الحكومة مسئولياتها … هل نتوقع أن يتذكر أحد فى المجلس أو فى الحكومة مشروعات القوانيين الخاصة بحقوق الأقباط ضمن الأجندة التشريعية ، أم ننتظر كارثة جديدة تحيق بهم وتروع الوطن لتعطيهم جرعة مخدرة أخرى ؟!!
إ س