تعد الانتخابات البرلمانية 2012 هي الأكثر مشاركة للمواطنين المصريين بشكل عام، وللمرأة والأقباط بشكل خاص، بل يمكن القول أن نسبة مشاركة المرأة فاقت الرجال، كما أن مشاركة المواطنين المصريين الأقباط تجاوزت النسبة العامة للمشاركة، ورغم قلة عدد الفائزين (ثمانية نواب من الأقباط)، واقتصار نجاحهم على نظام القوائم، إلا أن الفاعلية التصويتية القبطية تجاوزت المفهوم الطائفي واقتربت من مفهوم المواطنة.
النواب الأقباط هم: أمين سليمان إسكندر (فئات- الكرامة)، عماد جاد بدرس (فئات- المصري الديمقراطي الاجتماعي)، مرجريت عازر (عمال- الوفد)، حلمي صموئيل عازر (عمال- المصري الديمقراطي الاجتماعي)، بدر براءة زاخر نعمان (عمال- الوسط)، نجيب لطفي نجيب (عمال- الإصلاح والتنمية)، رأفت سيفين حليم خليل (فلاح- الإصلاح والتنمية)، إيهاب عادل رمزي (فئات- الحرية).
والظاهرة الملفتة للنظر أنه منذ برلمان 1976 وحتى الآن لم ينجح بالنظام الفردي في عشرة برلمانات سوى عشرة نواب، ثمانية منهم من حزب الحكومة، أي بمعدل نائب واحد لكل برلمان، رغم أن عدد الذين رشحوا أنفسهم من الأقباط دائماً في ازدياد، ففي برلمان 1976 رشح 17 مرشحاً قبطياً أنفسهم، في حين ترشح 177 قبطياً في انتخابات 2012 (ما بين قوائم وفردي)، وإذا توقفنا أمام من دخلوا الإعادة في العشر برلمانات المشار إليها سنجدهم 27 مرشحاً، ولم ينجح منهم سوى نائب واحد في برلمان 1995، أي أن النظام الفردي لا يؤهل المواطنين الأقباط لدخول البرلمان، كان ذلك هو الذي دعا عبد الناصر إلى تغيير الدستور 1964 واللجوء إلى مبدأ التعيين، ذلك المبدأ الذي رفضه الأقباط منذ 1922.
وإذا حسبنا تكلفة المقعد الفائز في القوائم سنجده في المتوسط يحتاج إلى حوالي ثمانين ألف صوت، أي أن الأقباط الذين فازوا بالقوائم قد حازوا على حوالي (640 ألف صوت)، وإذا عرفنا أن عدد المرشحين الأقباط الذين خاضوا الانتخابات مستقلين (فردي) 112 مرشحاً، وإذا افترضنا على سبيل التقدير النسبي حصولهم جميعاً على مليون صوت، أي أن المرشحين الأقباط ما بين الفردي والقوائم حصلوا على مليون وستمائة وأربعين ألف صوت تقريباً.
وكما أسلفنا فإن المواطنين المصريين الأقباط لم يصوتوا لمرشحين أقباط فحسب، ووفق القوائم التي نجح منها أقباط نجدها قوائم أحزاب الوفد، الكرامة، الوسط، أحزاب الكتلة (المصري الديمقراطي الاجتماعي- المصريين الأحرار- التجمع)، الحرية، الإصلاح والتنمية، وبمراجعة الأصوات التي حصلت عليها هذه الأحزاب وفق ما أعلنت اللجنة العامة فإن عددها يزيد عن ستة ملايين صوت، وإذا افترضنا أن نسبة تصويت الأقباط لهذه القوائم الحزبية حوالي 15% من الأصوات المنتخبة لهذه القوائم، وهذه النسبة تساوي تقريباً 900 ألف صوت، ومن المعروف أن عدد من الأصوات القبطية ذهب لمرشحي حزب الحرية والعدالة مثل الدائرة الثانية أسيوط، أو في مرحلة الإعادة بدائرة المنتزة بالإسكندرية لصالح النائب محمد دويدار، أو مع مرشحين مستقلين مثل المستشار الخضيري، وهناك أمثلة عديدة مشابهة لذلك، فلن تقل أصوات الناخبين الأقباط المشار إليها عن مائة ألف، وهكذا يمكن أن تكون المحصلة مليونان وستمائة وأربعين ألفاً على أقل تقدير، أي ما يوازي 10% من الأصوات الصحيحة التي شاركت في هذه الانتخابات.
هكذا يمكن قياس المشاركة القبطية في الانتخابات، ليس بعدد الفائزين ولا المرشحين فحسب، ومن ثم يمكن القول أن الأصوات الخاصة بالمصريين الأقباط ساهمت في نجاح حوالي 40 نائباً من أشقائهم المسلمين في الوطن، ناهيك عن حصول عدة أحزاب صغيرة على نسبة نصف في المائة التي أهلتها للتمثيل النيابي، إضافة لدورهم في نجاح التجربة الانتخابية ككل.
وفق تلك المقاييس يعد برلمان 2012 من أهم البرلمانات من حيث المشاركة الايجابية السياسية للمواطنين المصريين الأقباط منذ يوليو 1952، لأنه أرسى حجر الأساس لفاعليتهم على قاعدة المواطنة، وأثبت أنهم مواطنين لا طائفيين، حيث صوت أكثر من 70% من الأصوات القبطية لمرشحين مسلمين، وبني ذلك التصويت على أسس سياسية وفكرية، وفق القاعدة التي صرح بها قداسة البابا شنودة الثالث قبيل الانتخابات بالتصويت للمرشحين المصريين المسلمين لأنهم الأكثر قدرة في الدفاع عن مصالح المواطنين المصريين الأقباط، ومن ثم يلاحظ توجه أصوات الأقباط بكثافة للأحزاب الليبرالية والتقدمية، خاصة أحزاب الكتلة المصرية والثورة مستمرة والوفد، إضافة لنسبة قليلة صوتت للأحزاب الإسلامية، ولأحزاب الفلول، ومن ثم لابد من مراجعة الدلالات الجديدة للمعركة الانتخابية في الوعي السياسي الجمعي القبطي من منظور أن المسيحية السياسية استندت إلى مرجعية مدنية تراوحت بين فكر المواطنة والمنهج البراجماتي، ولكنها في كل الأحوال استندت إلى التعددية وقبول الآخر.
إ س