الوضع السائد في مصر ليس سوي كابوس من وجهة النظر الأمريكية. فبعد عام واحد علي نجاح ##ميدان التحرير## في الإطاحة بالدكتاتور يستعد الإسلاميون للاستفادة من ##سلطة الشعب## المصرية.
وقد أثبتوا – هم وليس الليبراليون أو العلمانيون – حنكتهم في العملية الانتخابية حيث حصل ##حزب الحرية والعدالة## التابع لـ جماعة الإخوان المسلمين و ##حزب النور## الذي هو أكثر أصولية منه علي حوالي ثلثي مقاعد البرلمان المصري القادم. ورغم أن كلا الحزبين قد أظهرا بالكلام احترامهما لالتزامات مصر الدولية إلا أن القادة الأمريكيين لا يمكنهم تجاهل حقيقة أن الشراكة الأمنية التي استمرت بين واشنطن ومصر لأكثر من 30 عاما هي الآن في خطر شديد.
وقد حاول البعض تجميل صعود الإسلاميين بالتأكيد أن استحقاقات الحكم ستدفعهم نحو الاعتدال. وتؤكد التجربة عكس ذلك, إذ أن الحكومات الإسلامية في إيران والسودان وغزة قد بدت مرنة ومتصلبة لمبادئها ضد الضغط الدولي الحاشد, وليس من المرجح أن تواجه مصر هذا النوع من الضغط الدولي في أي وقت قريب. وقد مرت تركيا – النموذج الأكثر حداثة – بجيل من الحكم الذي يشرف عليه الجيش قبل أن ينحي إسلاميوها مرتين عن السياسات من قبل الجنرالات ثم وجدوا أخيرا صيغة للحكم.
ويري آخرون أنه إذا كانت الولايات المتحدة قد بنت علاقات أمنية وثيقة مع أكثر الدول المسلمة محافظة مثل السعودية وقطر فبالتأكيد أن مصر بقيادة الإخوان المسلمين يمكن أن تكون ودودة أيضا. لكن مصر تختلف تماما لأن التصور الإسلامي فيها يجد لزاما عليه أن يحارب من أجل أن ينجو من قبضة حديدية لمستبد فاسد مدعوم من قبل الولايات المتحدة. كما أن معاداة أمريكا – إلي جانب معاداة الغرب وإسرائيل – مترسخة بعمق في وجدان الجماعات الإسلامية المصرية.
ومع ذلك, ثمة آخرون يعلقون آمالهم علي العملية الديموقراطية نفسها التي تقوي الإسلاميين الآن. ونصيحتهم هي سياسة النفس الطويل – بمعني المساعدة علي بناء بدائل سياسية غير إسلامية تستطيع المنافسة عندما يصوت المصريون في الانتخابات الثانية أو الثالثة. وهذا النهج له ميزته لكن فقط لو لم يتخذ الإسلاميون في ذات الوقت خطوات لمنع أي تنافس حقيقي في المستقبل مثل إقناع الأقلية القبطية في البلاد – والتي تبلغ نسبتها ما يقرب من 10 إلي 15 بالمائة من عدد السكان – بأنه لا يوجد لها مستقبل في مصر الإسلامية. ولن يكون لغير الإسلاميين أي فرصة في تحقيق نجاح انتخابي إن كانت هناك هجرة جماعية قبطية.
ولكن كفانا هذا القدر من الحجج النظرية, ذلك أن أقوال وأفعال الإسلاميين في الأشهر القليلة الماضية تتحدث عن نفسها وهي تؤكد أن المصالح الأمريكية الرئيسية ستعاني علي الأرجح.
أولا, تعهد قادة الإخوان المسلمين بعرض معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979 علي استفتاء شعبي – وهي الاستراتيجية التي يؤمنون أنها ستمكنهم من إبطال المعاهدة دون أن يقع عليهم اللوم. وكون الجماعة ستعمل علي نحو ملتو للتراجع عن وثيقة منعت الحرب علي مدي أكثر من ثلاثة عقود إنما يظهر تفضيل المنظمة للتطرف أكثر من الواقعية.
ثانيا, تظهر مصر تحت حكم الإخوان المسلمين ميلا نحو تأجيج التطرف العنيف بدلا من التصدي له. وبهذه النزعة فإن دعوة الإخوان لـ الجماعة الإسلامية للانضمام إلي ائتلافها, حتي لو رفضت, ينبغي أن تكون مصدرا للقلق الشديد. فـالجماعة الإسلامية هي تنظيم مصنف من قبل الولايات المتحدة كإرهابي, وأن أحد أول أولوياته هي المطالبة بإفراج واشنطن عن ##الشيخ الضرير## عمر عبد الرحمن الذي حرض علي الهجوم علي ##مركز التجارة العالمي## عام .1993
ثالثا, ستصبح مصر في ظل قيادة إسلامية غير مرحبة بالأقليات الدينية والعلمانيين المصريين. ويسعي البرلمانيون الإسلاميون المنتخبون حديثا إلي جعل الشريعة هي المصدر الحصري للتشريعات المصرية وليس فقط الرئيسي لها, وقد تعهدوا بمقاضاة من ينتقدون الشريعة الإسلامية. والقضية الأخيرة التي رفعها الإسلاميون ضد الملياردير القبطي نجيب ساويرس لنشره صورة ساخرة علي موقع ##تويتر## لميكي وميني ماوس وهما يلبسان زيا سلفيا إنما هي علامة مخيفة علي ما سيأتي مستقبلا.
غير أن لواشنطن أصولا تساندها في الحفاظ علي أسهمها في مصر. فالمعونة العسكرية الأمريكية التي تبلغ 1.2 مليار دولار تمثل بالضرورة ميزانية مشتريات للقوات المسلحة المصرية. وفي حين أن الإسلاميين ربما يريدون أن يبتعد الجيش عن السياسة إلا أنهم أيضا لا يريدون أن يتهموا بأنهم يريدون إضعاف البلاد ماديا. ,وصحيح] أن الدعم الأمريكي الاقتصادي المباشر أصغر , حيث يبلغ 250 مليون دولار, إلا أن للولايات المتحدة صوتا كبيرا في المؤسسات المالية الدولية التي من المؤكد أن مصر ستلجأ إليها لطلب المساعدة. وفي الفترة المقبلة عندما يدرك السياسيون الإسلاميون في مصر مدي ما ستميل به الولايات المتحدة إلي التأقلم مع واقع سياسي جديد فعندئذ يتعين علي واشنطن أن تكون علي استعداد لاستخدام كلتا الأداتين لتعزيز مصالحها.
وينبغي أن تكون رسالة واشنطن إلي القادة الناشئين في القاهرة هي أن الدعم الأمريكي, سواء المباشر وغير المباشر, مشروط بتعاونهم في الحفاظ علي السلام مع إسرائيل والتمسك بالتعددية السياسية والحقوق الدينية وحقوق الأقليات. وينبغي لأمريكا أن تحدد علاقتها بناء علي ما يفعله حكام مصر الجدد في الواقع وليس الكلام الناعم الذي يقوله متحدثوهم بالإنجليزية مع الصحفيين والدبلوماسيين والسياسيين الأمريكيين الزائرين لهم.وفيما يخص إسرائيل فإن عدم إلغاء معاهدة السلام هو ببساطة ليس كافيا. فعلاقة مصر وإسرائيل كانت قد جردت من الكثير جدا من مضمونها لدرجة أنه لم يبق شيء لاتفاقية السلام سوي أن معناها هو عدم الحرب. إن الاختبار التجريبي الأجدي سيكون التزام مصر بالاستثمار بالأشخاص والموارد الضرورية لتأمين شبه جزيرة سيناء. وهذا الجهد وحده هو ما سيحمي المنطقة من أن تصبح كغزة في الخمسينيات وجنوب لبنان في السبعينيات, أي ملاذا آمنا للإرهابيين والذي من المرجح أن يجر مصر وإسرائيل إلي صراع في نهاية المطاف.
وحماية التعددية السياسية والدينية وحقوق الأقليات أمر حساس لكنه ليس أقل أهمية. بل الأكثر حساسية هو حماية الأقباط الذين يمثلون عناصر الاختبار والقياس في مصر. إن مصير الديموقراطية المصرية – وفرص ظهور خيارات غير إسلامية – سوف يعتمدان علي ما إذا كانت هذه الطائفة التي عمرها آلاف السنين, فضلا عن منظومة مجموعات أخري ستشعر بالرضا في مصر الجديدة أم لا. كما أن التركيز الحصري علي حماية التعددية وحقوق الأقليات بدلا من الجهد الأوسع والأكثر عمومية لتنمية المؤسسات الديموقراطية في مصر هو الأسهل من حيث الاستمرارية والأيسر إفضاء إلي سياسة المساعدة بالعصا والجزرة والأكثر رجحانا للحفاظ علي بدائل سياسية مستقبلية منفتحة. علي أن حماية أمن مصر وإسرائيل والدفاع عن التعددية وحقوق الأقلية فقط سيكون بعيدا كل البعد عن الشراكة القوية في السنوات الماضية. لكن بالنظر إلي ما هو متوفر للولايات المتحدة فإن هذا النهج يبقي أفضل فرصة للحفاظ علي ما يهم أكثر بالنسبة للمصالح الأمريكية ذات المدي الطويل.
تم الترجمة عن – وول ستريت جورنال